الخميس 18 رمضان 1445 الموافق مارس 28, 2024
 

كيف يغيِّر الابتكار معالم صناعة الطاقة- وما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

الخميس, 1 سبتمبر, 2016

بقلم : ريم محسن يوسف

نشهد حاليا تحولات في الصناعات الكبرى نتيجةً للابتكارات التقنية السريعة والترابط فيما بين الصناعات. فالاندماج بين قطاعي النقل والبرمجيات، على سبيل المثال، أدى إلى ظهور تطبيقات خرائط جوجل وويز وأوبر التي نتفاعل جميعا معها للانتقال من نقطة "أ" إلى "ب".

كما أحدثت بطاريات تسلا باوروول، وهي بطاريات ليثيوم-أيون قابلة لإعادة الشحن تقوم بتخزين الكهرباء للاستهلاك المنزلي كوسيلة احتياطية أو لتغيير الأحمال، تحولاً ثوريا في صناعة تخزين الطاقة مما سمح بزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة. ويندرج ذلك ضمن الرؤية الأكبر لإيلون ماسك، حيث يُتاح للفرد خيار الانفصال عن شبكة الكهرباء بالاعتماد فقط على الطاقة الشمسية المولَّدة للاستخدام المنزلي على مدار 24 ساعة، بما في ذلك شحن السيارات التي تعمل بالكهرباء. وفي ظل ثورة الاتصالات التي نشهدها مع اختراع الهواتف المحمولة والذكية، انخفض الاعتماد على الهواتف الأرضية وشبكات الهواتف انخفاضا شديدا.

ورغم أنه قد يُقال إن تقنيات الطاقة الجديدة لا تزال تمثل سوقا متخصصة صغيرة تتركز في الفقاعات التكنولوجية مثل وادي السليكون ولندن وتل أبيب وبكين، فإن ذلك ليس دقيقا تماما. فقد اتسع نطاق عمل شركة أوبر، التي تبلغ قيمتها 50 مليار دولار بعد خمسة أعوام فقط من إطلاقها، ليغطي معظم المدن الكبرى حول العالم لتتغيّر بذلك طريقة تفاعل الناس مع وسائل النقل ويتغيّر مفهوم الانتقال داخل الحيز الحضري.

التحول من التأثير السلبي إلى التأثير الفاعل

يمثل هذا تحولا في قطاع النقل حيث تحول الفرد من مجرد مستهلك لا دور له إلى طرف فاعل في تحديد شكل الصناعات. ويتماشى ذلك مع التحول الواقع في شبكة الإنترنت حيث بدأت وسائل التواصل الاجتماعي تحل محل المواقع الإخبارية التقليدية. ألسنا جميعا نقوم بدور الصحفيين على تويتر، وصانعي الأفلام على يوتيوب، والمصورين الفوتوغرافيين على إنستغرام؟

وفي الوقت ذاته، هناك أيضا تحول جارٍ في قطاع الطاقة. وسواء كانت شركة تسلا إنيرجي أو سولارسيتي أو جوجل أو أية شركة ابتكارية أخرى هي من ستقوم قريبا بتحقيق جدوى تجارية وبالتالي دخول تكنولوجيات الطاقة الجديدة الأسواق على نطاق واسع، فإن مصادر الطاقة البديلة المبتكرة بدأ بالفعل استخدامها في بعض أنحاء العالم.
وفي عام 2011، طرحت شركة نيست جهازها لتنظيم درجة الحرارة (ترموستات) المدعوم بمستشعر واي فاي سهل الاستخدام والذي يتم التحكم فيه عن بُعد والموفر للطاقة. وفي أوائل عام 2014، قيل إن الشركة كانت تبيع ما يتراوح من 40 إلى 50 ألف جهاز شهريا، مع توقع زيادة المبيعات. ووفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فإن ولاية كاليفورنيا كان بها أعلى عدد من السيارات الكهربائية في عام 2013، بواقع 70 ألف سيارة كهربائية و 104000 سيارة كهربائية مهجنة.

وفي حين كان الاتجاه خلال السنوات العشر الماضية هو إنشاء مزارع كبيرة للطاقة الشمسية، فقد حدث مؤخراً تحول في صناعة الطاقة الشمسية بالولايات المتحدة حيث يتطلع المستهلكون إلى استخدام الطاقة الشمسية في المنازل. وفي الربع الأول من عام 2015، شكّل ما يتم توليده من الطاقة الشمسية نحو نصف القدرة المركَّبة حديثاً لتوليد الكهرباء في الولايات المتحدة، حيث أصبحت الأسر المعيشية إحدى الجهات الرائدة في توليد الطاقة. وإذا استمر هذا الاتجاه، فإن الحاجة إلى وجود بنية تحتية كبيرة الحجم لقطاع الطاقة ستقل مع انخفاض الاعتماد على مرافق الكهرباء ومحطات توليدها.

لكن ماذا عن المراكز غير التقنية والاقتصادات القائمة على المواد الهيدروكربونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ كيف يمكنها الاستفادة من التكنولوجيات الثورية المبتكرة في مجال الطاقة؟

في واقع الأمر، قد تنخفض احتمالات استفادة الاقتصادات القائمة على النفط والغاز من الابتكارات الثورية في مجال الطاقة إذا لم يتم تطبيق الإجراءات الصحيحة في الوقت المناسب. ولا تزال المواد الهيدروكربونية تمثل العمود الفقري لبعض بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على الرغم من المحاولات لتنويع الأنشطة الاقتصادية. فعلى سبيل المثال في عام 2014، شكّلت صادرات العراق النفطية 90% من الإيرادات الحكومية و 80% من العائدات بالنقد الأجنبي. وفي الكويت، تشكّل العائدات النفطية أكثر من 65% من إجمالي الناتج المحلي و 96% من عائدات التصدير. ويُعد القطاع النفطي هو القطاع الرئيسي في المملكة العربية السعودية، إذ يشكّل 80% من إيرادات الميزانية و 45% من إجمالي الناتج المحلي و 90% من عائدات التصدير.

فإلى أي مدى إذن ستتأثر البلدان الغنية بالنفط والغاز في ظل سيناريو تراجع استهلاك الوقود الأحفوري عالمياً مع قيام الأسر باستخدام تقنيات الطاقة البديلة، ليس فقط بسبب الوعي البيئي بل أيضاً لجني مكاسب اقتصادية وتحقيق الاستقلالية ومسايرة نمط الحياة الجديد؟

قوة الطموح

قد يكون نمط الحياة والمكانة الاجتماعية أداتين أشد قوة من المبررات الاقتصادية بناءً على نظريات الاقتصاد السلوكي. وتشير النظرية الاقتصادية القياسية إلى أن الناس سيتصرفون بما يحقق مصلحتهم الذاتية إذا فهموا عواقب قراراتهم الاقتصادية. فيما يشير علم الاقتصاد السلوكي إلى أن الناس لا يفكرون بشكل عقلاني كما هو مفترض، بل ويتخذون في الواقع قرارات تؤثر فيهم سلباً.

وفي عام 2012، ذكرت صحيفة ديلي ميل أن صبيا صينيا عمره 17 عاما قام ببيع كليته لشراء جهازي آي فون وآي باد. وقد أصبحت آبل علامة تجارية يتطلع الجميع إلى اقتنائها في العالم حيث يتم شراء منتجاتها ليس فقط ممن يقدرون على شرائها بل أيضا من الفقراء في المناطق الحضرية الصينية، كما نشرت مجلة فورتشن في عام 2015. وتمضي شركة أوبر، التي يتمثل هدفها الأساسي في إنهاء امتلاك السيارات، فعليا في الاتجاه الصحيح حيث بدأت تثني بعض الأشخاص بالفعل عن شراء السيارات كما يستخدم مالكو السيارات تطبيق أوبر للانتقال داخل المناطق الحضرية. وبالتالي، هل ستصبح تسلا باوروول علامة تجارية مرموقة تشجع أصحاب المنازل على الاستغناء عن شبكة الكهرباء؟

وبينما يلوح في الأفق العديد من أوجه القصور بالنسبة للاقتصادات القائمة على المواد الهيدروكربونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن هذه الحكومات لديها الفرصة لتجنب الآثار السلبية لنقطة التحول المتوقعة في صناعة الطاقة. فمن خلال الاعتماد المبكر لتقنيات الطاقة الجديدة والاستثمار في أنشطة البحث والتطوير إلى جانب تبني رؤية طويلة المدى، يمكن للحكومات تجاوز الحاجة إلى توجيه استثمارات كبيرة في البنية التحتية التقليدية لقطاع الطاقة، وتقليص عبء دعم الطاقة، ومن ثمّ تخفيف حدة أي تراجع اقتصادي يمكن حدوثه.

وفي عام 2014، توصل تقرير المرصد الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الصادر عن البنك الدولي إلى وجود علاقة إيجابية بين ترشيد أسعار الوقود ومعدل نمو نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي. وفي حين توجد مخاوف بشأن المكاسب الاقتصادية قصيرة الأجل التي تتحقق من ارتفاع أسعار الطاقة، فإن هذا التحليل يشير إلى حدوث نمو اقتصادي في المدى المتوسط والبعيد لاسيما مع تحسين كثافة استخدام الطاقة. ويُعد دعم الطاقة (الكهرباء والغاز الطبيعي والمنتجات البترولية) هو الأعلى في العالم حيث يشكِّل 48%من إجمالي دعم الطاقة عالميا. وفي البلدان المصدرة للمواد الهيدروكربونية مثل إيران والمملكة العربية السعودية والعراق، يتجاوز هذا الدعم 10% من إجمالي الناتج المحلي. واستنادا إلى تحليل صندوق النقد الدولي، فإن تكلفة دعم الطاقة قبل خصم الضرائب في منطقة الشرق الأوسط بلغت نحو 237 مليار دولار في عام 2011، وهو ما يعادل 8.6% من إجمالي الناتج المحلي للمنطقة و 22% من الإيرادات الحكومية.

وإذا تم تحويل هذه النفقات الكبيرة بعيداً عن دعم الطاقة واستثمارها بدلاً من ذلك في تقنيات الطاقة الجديدة وأنشطة البحث والتطوير، فإنه سيكون بمقدور الحكومات تخفيف حدة مخاطر الركود الاقتصادي والاضطرابات السياسية المحتملة. وبالتالي، فقد آن الأوان للتفكير بشكل غير تقليدي في ظل ما تشهده صناعة الطاقة من تحول سيؤثر فينا جميعا.

المصدر: http://blogs.worldbank.org/arabvoices/ar

مقال
لمشاهدة ملفات الدراسات، نأمل تسجيل الدخول, أو تسجيل عضوية جديدة
بواسطة:
الشبكة السعودية للمسؤولية الاجتماعية
إدارة الشبكة