الجمعة 19 رمضان 1445 الموافق مارس 29, 2024
 

المسؤولية الاجتماعية والإعلام الجديد " رؤية مستقبلية " خبراء التربية نموذجاً

السبت, 20 أغسطس, 2016

د. أحمد الزهراني رئيس لجنة المسؤولية الاجتماعية

يتنامى الحديث اليوم عن المسؤولية الاجتماعية للأعمال التجارية خصوصاً بعد سيادة قيم الربحية في تهميش متفاقم للقيم المجتمعية، زاده حدة وصول العالم إلى أزمة مالية ذريعة قادت المجتمعات إلى انهيارات اقتصادية نظراً لعدم تصرف قطاع الأعمال على نحو مسؤول وعدم الالتزام بما يعرف بالمبادئ الأخلاقية للعمل التجاري .
حيث تعرف المسؤولية الاجتماعية على أنها "الالتزام المستمر من قبل شركات الأعمال بالتصرف أخلاقياً والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم، والمجتمع المحلي والمجتمع ككل."
وتطور مفهوم المسؤولية الاجتماعية.. ولم يعد أداؤها قاصراً على جهة دون أخرى.. بل أصبحت مسؤولية تكاملية بين القطاعين الحكومي والخاص ومؤسسات المجتمع المدني، فالأول معني بتوفير المعلومات المطلوبة للشركات، وتحفيزها على العمل في مجال خدمة المجتمع, وذلك بتقديم التسهيلات اللازمة لها لتنفذ برامجها الاجتماعية ، والقطاع الخاص مسؤوليته الاجتماعية تتمثل في تجاوبه مع مؤسسات خدمة المجتمع لتحقيق أهداف تنموية مجتمعية مستدامة, والمساهمة في استقرار المجتمعات.
ماذا تعني لنا المسؤولية الاجتماعية
وهنا لا بد من تعميق وتأصيل وترسيخ مفهوم المسؤولية الاجتماعية وتحفيز قطاع الأعمال على تبني برامج منظمة في خدمة المجتمع، وتبني مشروع وطني لخدمة المجتمع يقوم بتنفيذه القطاع الخاص تحت مفهوم المسؤولية الاجتماعية.. وهنا لا بد من التأكيد على أن مفهوم المسؤولية الاجتماعية لا يقتصر على النواحي الخيرية فقط وإنما تتعداها إلى تحقيق الربحية والاستدامة، وإيجاد جيل جديد يعي معنى المسؤولية الاجتماعية بجميع أبعادها، وحث الشركات العالمية المتواجدة محلياً على إنشاء أو إعداد برامج خاصة لتطبيقها محلياً في المسؤولية الاجتماعية.
و برامج المسؤولية الاجتماعية في خبراء التربية تسعى إلى تحقيق أهداف سامية تركز على تنمية المجتمع السعودي وخدمته عبر ثلاثة محاور إستراتيجية هي المحور الأكاديمي والمحور الاجتماعي والمحور الخيري التطوعي ، منوهين إلى أننا نحرص على أن تكون مساهماتنا لخدمة المجتمع وفق آليات محددة ومدروسة وضمن ميزانية توضع بناء على قراءة دقيقة وشفافة للواقع الاجتماعي .. كم أن برامجنا في هذا المجال يديرها متخصصون وخبراء, وتغطي مجمل النشاطات المقررة في خطة العمل السنوية, وتحقق الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها من خلال المسؤولية الاجتماعية .
إن برامج خدمة المجتمع جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية ومن هنا فقد جعلنا العزم والإرادة قوتنا الدافعة للعطاء . وقد عملنا طيلة هذه الفترة على تسخير مواردنا البشرية وخبراتنا العملية لخدمة وطننا ومجتمعنا. واليوم ورغم حداثة النشأة فقد أثبتنا خلالها استشعارنا بالمسؤولية الاجتماعية. ومع مرور الوقت، وتطوّر الحياة من حولنا، ازدادت متطلبات المجتمع وازدادت معها رغبتنا في الالتزام بخدمة وطننا الغالي. واستجابة لهذه الرغبة، جاء قرار إدارة الشركة بخبراء التربية بإنشاء لجنة مستقلة تعنى بالمسؤولية الاجتماعية وبإعداد البرامج المتنوعة والمتخصصة في خدمة المجتمع، حيث يعمل على إدارتها فريق من الكوادر الوطنية المحترفة التي تتمتع بمستويات عالية من الكفاءة والمهارات. وقد وضعنا نصب أعيننا هدفاً سامياً نسعى إلى تحقيقه ولا نحيد عنه وهو خدمة مجتمعنا.. ولا شك بأن مسؤوليتنا الاجتماعية تكبر مع الأيام، وسعادتنا تتزايد معها، لأننا نستمتع بكل ساعة تمنح لنا الفرصة لرسم الابتسامة على الوجوه وملء القلوب بالفرحة والسعادة . واليوم نزف للوطن ( 11 ) برنامجاً تعبر عن التزامنا الأخلاقي تجاه مجتمعنا ، ومصدر نجاحنا في القيام بدورنا في المسؤولية الاجتماعية يعتمد أساساً على التزامنا بثلاثة معايير هي : الاحترام ، والمسؤولية ، ودعم المجتمع .
المسؤولية الاجتماعية والإعلام الجديد
نشأ مصطلح الإعلام الجديد كظاهرة معقدة ومركبة تولدت نتيجة لتداخل موجات متتالية من الظروف والعوامل المتعلقة بالتطور التكنولوجي الهائل في مجال الاتصال، ذلك التطور الذي أدى إلى ظهور العديد من الأشكال المستحدثة من نظم الاتصال الإلكتروني، وأخرى متعلقة بتأثر الجمهور بعيوب إمكانات الإعلام التقليدي ومحدوديتها.
ولم تكتف الوسيلة الإعلامية الجديدة بالسماح لكل من المرسل والمستقبل بتبادل أدوار العملية الاتصالية، ولكنها أحدثت ثورة نوعية في المحتوى الاتصالي المتنوع من نصوص إلى صور وملفات صوتية ولقطات الفيديو التي انتشرت خلال العامين الماضيين بشكل يستوجب الوقوف أمام الموقف الاتصالي لتدبر أبعاده ودراسة تأثيراته .
إن الإعلام الجديد يتصف بالديناميكية والتغير المستمر، مما يؤكد أن مستقبل تلك الظاهرة يدفع للتقارب بين وسائل الاتصال ، فوسائل الإعلام أصبحت تتقارب وتتكامل دون أن تنفي إحداها الأخرى، وهذا التقارب يحدث مع ارتفاع درجة توفر المعلومات، وتيسير بثها والحصول عليها، وارتفاع درجة التنافسية بين الوسائل الإعلامية المهنية وغير المهنية في ما يتعلق بالتعاطي مع الحدث والمصداقية.
وفي الآونة الأخيرة ظهرت أدوات جديدة للإعلام الجديد أهمها مواقع الشبكات الاجتماعية على الإنترنت منها، الفيس بوك (Face book) وتويتر (Twitter) وماي سبيس(my space) والمدونات (Bloggers) وغيرها من شبكات التواصل الاجتماعي، حيث استطاعت هذه الشبكات أن تخلق إعلاماً مختلفاً عن الإعلام التقليدي سواء في الطرح أو التفاعل أو سرعة نقل الخبر وتدعيمه بالصورة الحية المعبرة، ففي الظروف الطارئة والأحداث العالمية استطاعت هذه الشبكات أن تتفاعل مع هذه الأحداث على مدار الساعة وأن تنقل الحدث أولاً بأول من مكان حدوثه بسرعة انتشار مذهلة لا يستطيع الإعلام التقليدي مجاراتها بأي حال من الأحوال وتحت أي ظرف من الظروف. إن الإعلام الجديد استفاد من التكنولوجيا الحديثة التي باتت تطوقنا من كل مكان وصارت تؤثر في أداءنا اليومي وحياتنا العامة حتى صرنا أسرى لهذه التكنولوجيا. وعليه فإن الإعلام الجديد جاء لزمن جديد وعالم جديد. فهل نستوعب ونواكب ونطوع هذا النوع من الإعلام لمصلحة الإنسان وتطوره؟
إن الإعلام الجديد هو إعلام ديناميكي تفاعلي يجمع بين النص والصوت والصورة. ومن أبرز خصائصه : التفاعل بين المصدر والمتلقي فهو يتيح فرصة التعليق والنقد، وأما الخاصية الثانية فهي تحوّل المتلقّي إلى ناشر يستطيع أن ينشر ما يريد، وأما الخاصية الثالثة فهي أنه إعلام متعدد الوسائط حيث يستعين بالصورة والكلمة ومقاطع الفيديو في الوقت نفسه، وأما الخاصية الرابعة فهي اندماجه مع مخرجات الإعلام التقليدي واستيعابه لها. وأما الخاصية الأخيرة فهي سهولة الاستخدام فهو متاح للجميع وفي متناول أيديهم عبر أجهزة حاسوباتهم الشخصية أو أجهزة الجوال التي في أيديه . حيث تشير الدراسات الإعلامية الحديثة إلى أن الإعلام الجديد هو ذلك الإعلام الديناميكي التفاعلي الذي يجمع بين النص والصوت والصورة في ملف واحد. وإن التقنية الحديثة لعبت دورا مهما في إضفاء التفاعلية على هذا النوع من الإعلام، فأصبح بإمكان المستفيد التفاعل مع الطرح الإعلامي وقراءته والتعليق عليه وطرح آراء كثيرة ومتعددة حوله والخروج بمجموعة من الرؤى والأفكار، حول الموضوع الواحد مما يثري الحوار والنقاش حول تلك المواضيع المنشورة على الصحف الإلكترونية.
والفرص التي يتيحها الإعلام الجديد ترتبط ارتباطاً مباشراً بالمسؤولية الاجتماعية، فالإعلام الجديد يعزز الترابط والتكامل مع أفراد المجتمع، بما يتيح فضاءً عاماً صالحاً لتبادل الحوار والتلاقي والتواصل، وتشكيل جسد عام دون اعتبار للفروق الاجتماعية التي تكون بينهم.
كما تتميز ظاهرة الإعلام الجديد بقدر عالٍ من التفاعلية، وما بعد التفاعلية، ففي السابق كانت مساهمة جمهور الإنترنت محصورة في دائرة رجع الصدى للمحتوى الذي يتم بثه أو نشره من خلال المواقع الإعلامية الإلكترونية، التي تعبر عنها أشكال تفاعلية مثل "أرسل تعليقا"، و"تواصل معنا"، و"سجل الزائرين"، على سبيل المثال.
الإعلام الجديد والمجتمع
و هذه الحالة الإعلامية الجديدة لها آثار اجتماعية كبيرة، حيث تحدث متغيرات في قوى الإنتاج عبر الثورة الإلكترونية، مما قد يتناقض مع قيم المجتمع، إلى جانب انتشار البطالة وإهمال البعد الاجتماعي والإنساني، واستيعاب النفوذ الاجتماعي بزيادة تفككه، وإيجاد عادات وأعراف اجتماعية جديدة، وتقليص الخدمة الاجتماعية وإضعاف مسؤولية الدولة وإيجاد التوتر الاجتماعي والغربة واللامبالاة لدى الأفراد.
إضافة إلى أنها تساعد وتؤدي إلى صياغة ثقافة عالمية لها قيمها ومعاييرها، هي ثقافة السوق وتجاوز الثقافة النخبوية وسلب الخصوصية وقطع الصلة بين الأجيال الجديدة بماضيها وتراثها، والتأكيد على الجانب الفردي والنجاح الفردي، وتهميش الثقافة الوطنية واحتكار الصناعة الثقافية.
فانفصال أدوات الإنترنت الجديدة عن أي قيم أو ضوابط مجتمعية، أصبح عنصر جذب للشباب الساعي إلى الحضور المجتمعي بشكل معين، وتكوين طباع وصفات مختلفة، فهذه الأدوات أتاحت للشباب الظهور بالشخصية المجتمعية التي يريدها ويصورها خياله، حتى إن كانت في مجتمع افتراضي فهو يتعامل على هذا الأساس، لأن هذا المجتمع يوفر له كافة أشكال التفاعل وأوجه الحرية التي يفتقدها في حياته الواقعية.
ومن جانب آخر، فإن هذه الأدوات قد يكون لها دور كبير في تعزيز مكانة الفرد في واقعه المجتمعي الفعلي، فهي تقرب المسافات وتيسر الاتصال والتواصل والتفاعل في أي وقت .
وهناك دراسات تناولت عزلة الفرد داخل العالم الافتراضي، والتفاعل اليومي داخل الشبكات الاجتماعية، فعلى الرغم من أن الفرد يصبح كائنا عالميًّا في تواصله الافتراضي، فإنه يصبح منعزلاً عن الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه ويحيط به، فضلا عما يمكن أن تسببه بعض مواقع التعارف الإباحية أو مواقع الإرهاب وما إلى ذلك من مواقع، مما يؤثر في عقلية وفكر الشباب ونظرته إلى قضاياه ومجتمعه.

أما الإيجابي، فلقد ساهمت هذه الظاهرة في إيجاد أطياف أخرى، وفرص مهمة لمعرفة الحقائق عن قرب، والتعرف على حياة الشعوب، وساهمت في تنمية وعي الأفراد والمجتمعات، وأطلعتهم على عوالم لم يكن من الممكن الإطلاع عليها لولا هذا الإعلام الجديد، وهذه الثورة التكنولوجية المعاصرة.
ورغم التخوف الذي يبديه البعض من الباحثين من تأثيرات الإعلام الجديد، فإن هناك من يدافع ويؤيد ذلك الاتجاه، حيث يرون أن آثار الإعلام الجديد تفيد في الانفتاح الذي يؤدي إلى اكتشاف نقاط الضعف والخلل في بنية العلاقات المتبادلة بين الشعوب والأمم والحضارات والثقافات المختلفة .
رؤية إعلامية مستقبلية
إنها دعوة لمبادرة مستقبلية ببرنامج إعلامي اجتماعي ( خاص بالمسؤولية الاجتماعية ) ذي هوية وطنية مستقلة يستقطب و يعزز انتماء الجميع يجعل صالح المجتمع خياره الأول والوحيد, إنها دعوة لكل مؤسسة إعلامية وطنية وفرد لاستشراف أفق تواصل صحي متوافق مع نهضة الوطن ومتطلباته, نعبر فيها عن التزامنا الأخلاقي ، ويبدو لي يقيناً أن مبادرة كهذه مسألة مرحلية مفصلية في نمو الأمم وازدهار حضارتها, واللبيب بالإشارة يفهمُ....هكذا أسهم الإعلام الجديد في إحداث الفرق ... وهكذا يحدث التغيير الايجابي المنشود .

مقال
لمشاهدة ملفات الدراسات، نأمل تسجيل الدخول, أو تسجيل عضوية جديدة
بواسطة:
الشبكة السعودية للمسؤولية الاجتماعية
إدارة الشبكة