لعبت البنوك السعودية في الماضي ولا تزال دوراً تنموياً مهماً في النشاط الاقتصادي للمملكة العربية السعودية، حيث توسعت أنشطة البنوك المختلفة على مدى خطط التنمية الخمسية المتعاقبة للمملكة، لتلبي احتياجات التنمية الاقتصادية في السعودية، انطلاقاً من إيمانها بدورها القيادي والفاعل في التنمية الاقتصادية بشكل عام والتنمية الاجتماعية بشكل خاص التي تعيشها البلاد.
بهدف تمكين البنوك السعودية من القيام بدورها التنموي والاجتماعي المنوط بها على الوجه المطلوب، عززت البنوك من قيمة قاعدة رأسمالها واحتياطياتها النظامية التي شهدت نمواً كبيراً خلال الخمسة عقود الماضية، حيث قد بلغ إجمالي رؤوس أموال البنوك والاحتياطيات النظامية في عام 1383 مبلغ 143 مليون ريال، وارتفعت لتصل بنهاية الربع الثاني من العام الجاري إلى 211 مليار ريال، محققة بذلك نمواً تجاوزت نسبته 1400 في المائة. الزيادة الكبيرة التي طرأت على رؤوس أموال البنوك واحتياطياتها، مكنتها من التوسع في جميع أنشطتها وعملياتها المصرفية، وبالذات في الأنشطة والخدمات المصرفية، التي على علاقة وارتباط مباشر بتنمية القطاع الخاص، الذي يعد الركيزة الأساسية للتنمية الاقتصادية في المملكة، حيث على سبيل المثال طرأ نمو كبير على حجم مطلوبات المصارف من القطاع الخاص خلال نفس الفترة المشار إليها أعلاه، فقد نمت قيمة تلك المطلوبات من 809 ملايين ريال في عام 1383 لتبلغ 933 مليار ريال بنهاية الربع الثاني من العام الجاري.
كما توسعت البنوك أيضاً في خدماتها المقدمة للعملاء من شريحة الأفراد، وساند ذلك التوسع توسع مواز في شبكة الفروع، وأجهزة الصرف الآلي، ونقاط البيع، حيث على سبيل المثال نمت أعداد الفروع في البنوك من 1.209 فروع بنهاية عام 2003 ليصل عددها إلى 1.669 فرعاً بنهاية الربع الثاني من العام الجاري، ونمت أعداد أجهزة الصرف الآلي من 462 جهازاً في عام 1991 إلى 12.150 جهازا بنهاية الربع الثاني من العام الجاري.
توسع البنوك السعودية في أنشطتها المصرفية المختلفة ذات الطبيعة التجارية لم يغفلها دورها الاجتماعي والإنساني المهم المرتبط بالتنمية الاجتماعية لأفراد المجتمع، والذي تعده البنوك مسؤولية وطنية في غاية الأهمية، باعتبار أن أحد مرتكزات نجاح التنمية الاقتصادية في أي بلد سواء في المملكة أو في غيرها، توافر بيئة اجتماعية محفزة على الإنتاج والإبداع والتطور. من هذا المنطلق اضطلعت البنوك السعودية بدور اجتماعي مهم في تنمية قدرات أفراد المجتمع السعودي، حيث قد تميز القطاع المصرفي مقارنة بغيره من القطاعات والأنشطة الاقتصادية المختلفة، في تحقيق أعلى نسب سعودة وتوطين على مستوى القطاع، والتي تجاوزت نسبة 86 في المائة، بل تجاوزت في بعض البنوك نسبة 90 في المائة، وليس ذلك فحسب، بل إن البنوك تمكنت من إعداد جيل مصرفي من الشباب والشابات يضاهي مثيله في المجتمعات المتقدمة على مستوى العالم من حيث المعرفة والأداء المصرفي المهني المحترف.
ويعد برنامج إنجاز السعودية نموذجاً وطنياً فريداً على مستوى المملكة في مجال تأهيل الشباب والشابات، وبالتحديد طلبة التعليم العام والجامعي وإعدادهم لما يتطلبه سوق العمل من خبرات عملية، عن طريق تقديم دورات تعليمية اقتصادية لطلبة المدارس والجامعات يعول عليها أن تعمل على تعويض افتقار الخريجين في الغالب للمهارات والخبرات العملية اللازمة للانخراط في سوق العمل.
جدير بالذكر أن برنامج إنجاز السعودية يعد ترجمة واقعية لجهود وطنية مشتركة بين عدد من الجهات في القطاعين العام والخاص، ممثلة في البنك الأهلي التجاري، ومجموعة صافولا، ومجموعة عبداللطيف جميل، ووزارة العمل، ووزارة التربية والتعليم، والهيئة العامة للاستثمار، ومؤسسة الملك خالد الخيرية، وغيرها من الجهات، وذلك في مجال تدريب وتأهيل الطلاب لسوق العمل. كما يعد البرنامج امتداداً لمؤسسة جونيور اتشيفمنت وورلدوايد Junior Achievement Worldwide، والتي تعد أكبر مؤسسة تعليمية على مستوى العالم (غير هادفة للربح) تم تأسيسها في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1919، لتختص بتدريب الطلاب لسوق العمل وإطلاق المشاريع الخاصة والمعرفة المالية من خلال تقديم برامج تقوم على التجربة ونقل الخبرات العملية. ويبلغ حالياً عدد المستفيدين من برامج المؤسسة سنوياً على مستوى العالم قرابة 11 مليون طالب في 124 دولة على مستوى العالم.
وتمكن برنامج إنجاز السعودية، منذ أن تم تطبيقه في المملكة العربية السعودية في عام 2008 حتى اليوم، من تدريب أكثر من 35 ألف طالب وطالبة في مختلف المراحل العلمية التي يستهدفها البرنامج (الابتدائية، المتوسطة، الثانوية، والجامعية)، بتسع مناطق إدارية من خلال تقديم نحو 17 برنامجاً تدريبياً، من بينها على سبيل المثال: ''أنا ومحيطي''، والذي يقدم لطلاب المرحلة الابتدائية لاكتشاف ذاتهم ومجتمعهم المحيط بهم، و''برنامج كيف أكون رائداً في مجتمعي''، والذي يقدم لطلاب المرحلة المتوسطة ليعرفهم بصفات القادة من خلال تنفيذ مشروع قيادي تحت إشراف متطوعين من القطاع الخاص، وبرنامج ''مشروع العمر''، والذي يقدم للمرحلة الثانوية وتتضمن فعالياته ورشة عمل تحاكي تأسيس شركات افتراضية، وأخيراً برنامج ''قراراتي الاستثمارية''، والذي يقدم للمرحلة الجامعية، ويهدف إلى تعريف طلاب المستوى الجامعي بالمفاهيم المختلفة للاستثمار، وإدارة الاستثمار، وبكيفية أخذ القرارات الاستثمارية. ويخطط برنامج إنجاز السعودية وفق رؤيته المستقبلية، لتقديم برامج تعليمية سيستفيد منها 250 ألف طالب وطالبة في مدن المملكة العربية السعودية المختلفة بحلول عام 2018، وذلك بالتعاون مع مجتمع الأعمال والوزارات المعنية والمعلمين والمتطوعين من القطاع الخاص.
*مستشار وكاتب اقتصادي
جريدة الاقتصادية