أكاد أجزم بأن مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات من أكثر المفاهيم الإدارية الحديثة التي تعرضت للتشويه الناجم عن إساءة ادراك معناها الصحيح، خصوصا من أولئك الذين يدعون ممارستها دون أن تكون لديهم أي خلفية علمية أو فكرية عنها.
فيبدو أن هذا المفهوم تشتت و تعددت أنسابه بين أدعياء شتى، فنسمع وسائل الأعلام تشيد ببرامج المسؤولية الاجتماعية في الشركات فتضفي عليها بذلك صبغة العلاقات العامة لفائدة الشركات باعتبارها شكلا من أشكال التواصل مع الجمهور لغرض الدعاية من جهة، و تعتبرها من جهة أخرى شكلا من أعمال الخير و التطوع و قد تسميها بهذا المسمى.
و نجد تارة أخرى أطرافا تقارب بشدة بين مفهومي المسؤولية الاجتماعية للأفراد و المسؤولية الاجتماعية للشركات و يعالجون المسؤولية الاجتماعية للشركات من منطلق ممارستها من طرف كل فرد في الشركة، فيشوهون بذلك هذا المفهوم الإداري الذي صنفت عنه المؤلفات الكثيرة و أجريت بخصوصه البحوث المتنوعة بل و أصبح يدرس في كثير من كليات إدارة الأعمال في الغرب.فشتان بين المفهومين، فالتأصيل العلمي الثري لمفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات الوارد في علم الإدارة كاف ليميز بينه و بين المسؤولية الاجتماعية للفرد التي تجد لها تأصيلا علميا في علم الاجتماع و ليس الإدارة.
ومن جهة ثالثة، نرى أن كثير من المتخصصين و المهتمين بالعمل الخيري و التطوعي يعتبرون ما يقومون به هو من قبيل المسؤولية الاجتماعية بل و ينظرون لذلك في وسائل الاعلام مما يزيد الأمر سوء، و يؤمنون ايمانا راسخا من أنه لا فروق بين المفهومين.
بل وهناك من رجال الأعمال و مدراء الشركات من يمارسون برامج المسؤولية الاجتماعية دون أن يدركوا حقيقة ما تعنيه، و دون أن يعرفوا كيف تكون الادارة الاستراتيجية لمثل هذه البرامج. و قد يؤثر ذلك على نتائجها بشكل مباشر.
إن هذه الهوة بين المفهوم الحقيقي للمسؤولية الاجتماعية و مفهومها المشوه الذي نتج عن هذه الاعتقادات الخاطئة من الأطراف المذكورة ناجمة أساسا من غياب المعرفة بالخلفية العلمية لهذا المفهوم و بالتالي تقريبه إلى أيسر معنى يتعلق به، فكل يراها من زاويته، فالمتطوع يرى أنها من أعمال الخير و التطوع، و المختص في علم الاجتماع يرى أنها لا تختلف عن المسؤولية الاجتماعية للفرد، و رجل الأعمال يرى أنها من أدوات العلاقات العامة و تحسين السمعة، فيتيه الموضوع بين معتقدات هؤلاء.
و نحن كباحثين مطالبين بإيضاح هذا المفهوم، و لكن قد لا يفيد توضيحنا بالكثير ان لم توجد قنوات تنسيق و تواصل بين قطاعات الاعمال من جهة و بين الجامعات و مراكز البحث العلمي من جهة أخرى، فكما يتم اشراك ممثلين عن قطاع الأعمال في كثير من المؤتمرات العلمية الاقتصادية وجب أن يتم اشراك الباحثين في المؤتمرات المهنية التي تعدها الشركات.
و بالإضافة إلى ذلك، نحث كل مهتم بموضوع المسؤولية الاجتماعية للشركات أيا كان مجال تخصصه نحثه على الإطلاع على الكتب الادارية في هذا المجال و هي كثيرة و لا يتعسر على القاري فهمها حتى لو لم تكن في نطاق تخصصه العلمي، فيكفي أن يأخذ نظرة تبسيطية من وجهة نظر علمية لكي ينقشع ضباب الفهم الخاطئ و يكتسب رؤية أوضح عن المفهوم.
حل آخر يجب أن لا نغفل لاعنه، هو الاجتهاد في إعطاء تعريف دقيق للمسؤولية الاجتماعية للشركات من قبل الدول العربية و الاسلامية، نظرا لخصوصيتها الدينية و الثقافية و الاجتماعية التي تختلف عن باقي الدول الغربية.