كلمة الاقتصادية
المسؤولية الاجتماعية للحكومات، من أرقى المفاهيم التي يجب التعامل معها بحذر شديد جدا، فالأصل في المجتمع هو العمل الإنتاجي لكل أفراده، وعلى أولئك الذين يعزفون عن العمل طوعا تحمل أعباء ذلك دون تكبيد المجتمع تكلفة كسلهم، هذا ضروري في مفهوم العمل الحكومي، فالمجتمع بكل فئاته متساو في نظر الحكومة والعمل الحكومي، الجميع لهم الحقوق نفسها وعليهم الواجبات نفسها، وإذا تم تخصيص أحد المواطنين بشيء فيجب أن يكون هذا وفق مبررات تشريعية واضحة ومعلنة، لكن الدعم الاجتماعي منذ نشأته هو محل نظر ونقاش طويل، لكنه على طول المسار كان يجد دعما من مفاهيم أكثر شمولية مثل حقوق الإنسان، وضمن بقاء القوة الشرائية في مسارها، وتفسير الضرائب. والمملكة وهي تطور آليات عمل الاقتصاد، وتحرر كثيرا من القطاعات، لم تهمل المسؤولية الاجتماعية سواء للحكومة أو الشركات ورجال الأعمال، ولم يكن قرار فرض رسوم الأراضي البيضاء ببعيد.
لكن المملكة تحت ظل الشريعة الإسلامية ومفهوم المساواة بين أفراد المجتمع تسعى دائما إلى إعطاء كل ذي حق حقه، وقد أنشأت من أجل ذلك المحاكم وضمنت استقلال القضاء، وأصدرت نظام التنفيذ القضائي، وأخيرا بدأت وزارة الإسكان سلسلة من الإجراءات من أجل ضبط العلاقة بين المستأجرين والمؤجرين تتضمن وجود عقد موحد وربط إلكتروني، وهذه الإجراءات المتعددة تضمن حقوق كل الأطراف إلا أنها ذات طابع رأسمالي بحت، فإذا تعثر مستأجر عن السداد فإن النظام القضائي ونظام التنفيذ القضائي مع نظام إيجار جميعها ستشكل حزمة صارمة لضمان حقوق المؤجرين، لكنها بهذا الشكل لا تمثل مظهرا من مظاهر المسؤولية الاجتماعية تجاه من لم يماطل في حقوق المؤجر ولكنه في الوقت نفسه يعجز عن سداد الإيجار، وللموازنة بين جميع هذه المفاهيم المتعارضة فإن لجنة مكونة من أربع جهات حكومية تشمل وزارات: "الداخلية" و"الإسكان" و"العدل" و"العمل والتنمية الاجتماعية"، ستقوم خلال 30 يوما من تاريخ إشعارها من قاضي التنفيذ عن حالة المستأجر السعودي المنفذ ضده، بالبت في موضوع سداد الأجرة عنه أو توفير سكن مناسب له أو إسكانه أو دعمه، وفقا لبرامج الإسكان الحكومية والأهلية. بهذا التوجه فإن حلقات العمل تكتمل من حيث ضمان حقوق الأطراف كافة وضمان حيدة العمل الحكومي، مع الالتزام بنظام السوق والمسؤولية الاجتماعية.
من المتوقع إذا أن يتم تطبيق نظام التنفيذ القضائي وكذلك نظام عقد الإيجار بكل جدية في موضوعات الإيجار بغض النظر عن حالة المستأجر، وأن يتم إخلاء السكن بقوة النظام ممن لم يستطع دفع المستحق عليه، لكن هذا لا يعني أن يتخلى المجتمع عن أولئك المعسرين حقا، هنا ستقوم اللجنة بدراسة تأمين المساكن لهؤلاء المحتاجين وتتولى وزارة الإسكان مسؤولية توفير السكن. ورغم ملاءمة القرار لجميع المفاهيم الاقتصادية ذات الصلة، فإن مثل هذه القرارات عادة تفشل في تحقيق أهدافها في الدول النامية نظرا لتعقد الإجراءات البيروقراطية، وكثرتها، وطول الوقت لتنفيذ القرارات ما يعوق كثيرا من المستحقين لتطبيق هذه الأنظمة عليهم سواء كانوا مستأجرين أو مؤجرين، ويجعلهم يعزفون عن استخدام هذه الإجراءات النظامية حتى تتحول مع مرور الوقت إلى مجرد أنظمة غير معمول بها يعرفها فقط بعض الذين يعملون في المحاماة، وعلى أن الضوابط أقرت لجنة أو أكثر في كل منطقة أو محافظة بحسب الحال، مهمتها التعامل مع الحالات التي يكون فيها المستأجر سعوديا غير قادر على سداد الأجرة أو إخلاء العين، فإننا سنظل قلقين ونحتاج إلى إجراءات سريعة معلنة، واضحة وأيضا شفافة، مع إجراءات رقابية تمنع من سوء استخدام هذه الوسيلة ووصولها إلى غير مستحقيها ممن يماطلون وهم قادرون على السداد، كما أن النظام أكد على أن تمول وزارة الإسكان هذا المشروع مما قد يخصص لها في ميزانية الدولة ومن الإعانات والهبات، والأوقاف التي تخصص لذلك، هنا يظهر بعض القلق من التداخلات بين وزارتي الإسكان والمالية.