الجمعة 19 رمضان 1445 الموافق مارس 29, 2024
 

تمويل البنك المركزي للدولة وخطة الدولة للمركزي: ما لهما وما عليهما

الاثنين, 4 مايو, 2020

تمويل البنك المركزي للدولة وخطة الدولة للمركزي:
ما لهما وما عليهما

د. سهام رزق الله (أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف – كلية العلوم الاقتصادية)
لأن السياسة النقدية من أدق فروع العلوم الاقتصادية وأكثرها حاجة للمتابعة المستمرة ولا تحتمل التطرق لها عرضا وعلى غفلة على طريقة "سيرة وانفتحت" ولأن قانون النقد والتسليف من أكثر النصوص حرفية على ما يجمع عليه كبار القانونيين كما المصرفيين والمتخصصين بالسياسة النقدية، لا بد من الاضاءة على الشق المتعلّق فيه بتمويل الدولة بشكل كلي وليس مجتزأ لاصطفافات مسبقة. ومنها يكون الانطلاق صوب خطة الدولة الانقاذية بما يتعلّق تحديدا بالبنك المركزي والنظام المصرفي لصعوبة تناول جميع بنود الخطة والقطاعات المعنية بها دفعة واحدة إذا أردنا فعلا إعطاء كل منها حقه. فكيف تبلورت حقيقة إشكالية تمويل المصرف المركزي للدولة وخياراته في النقد والقطع ؟ وأي رؤيا حملتها بالمقابل الدولة نفسها تجاه المصرف المركزي والجهاز المصرفي ؟
*****************************
عندما نتحدث في الاقتصاد على استقلالية المصرف المركزي نعني بها تحديداً استقلالية السلطة النقدية عن السلطة السياسية، بحيث يكون للمصرف المركزي حرية تحديد خياراته في اعتماد السياسة الأنسب للحفاظ على الاستقرار النقدي في الشق الداخلي عبر ضبط التضخم، وفي الشق الخارجي عبر الحفاظ على استقرار سعر صرف العملة الوطنية تجاه العملات الأجنبية. ومن المعروف إقتصادياً أن مفهوم استقلالية المصرف المركزي يعتمد على ثلاث ركائز أساسية: الاستقلالية القانونية في النصوص، الاستقلالية الفعلية في الممارسة والاستقلالية المالية في حسابات المصرف المركزي تجاه الدولة.
وأبعد من الغرق في النصوص القانون لاستقلالية المصرف المركزي من المادة 13 للاستقلالية المالية ثم الاشارة الى المادة 18 التي تنص على أن الحاكم يُعيَن لست سنوات بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية.. ويعين نائبو الحاكم لخمس سنوات بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية واستشارة الحاكم...والمعلوم أن االأساس يكمن في الاستقلالية الفعلية والهامش المتاح لممارستها بحس رجل الدولة المؤتمن على التوازن المطلوب بين الهدف الاساسي للسلطة النقدية بتأمين استقرار القدرة الشرائية للعملة الوطنية والحوار الضروري مع السلطة المالية بما يسمح بالتوفيق بين حاجات تمويل الاقتصاد ومسؤولية استمراية عمل الدولة في ظل صعوبة تأمين آفاق التمويل الأخرى ووسط تحديات الدولرة والمديونية.
ولطالما شددت الأدبيات الاقتصادية وخصوصاً مع الموجة الكلاسيكية في الثمانينات على أن تحقيق الهدف الرئيسي للمصرف المركزي بتأمين الاستقرار النقدي لا يمكنه أن يتحقّق إلا من خلال الفصل التام للسياسة النقدية للمصرف المركزي عن السياسة المالية للحكومة ووزارة المال خصوصاً لتفادي لجوء الحكومة متمثّلة بوزارة المال لطلب تغطية عجوزاتها المالية من خلال تدخل المصرف المركزي، إن كان عبر ضخ السيولة وتحمّل انعكاساتها التضخمية الفورية أو من خلال الضغط على المصرف المركزي للمساهمة في الدين العام عبر الاكتتاب بسندات الخزينة والتفاوض حول شروطها بالكمية والآجال ومستوى الفوائد…أو طبعاً اللجوء الى افتعال زيادة في السيولة واصطناع نهضة عابرة في الأسواق في فترات محددة، مثل الفترات التي تسبق الإنتخابات، لإحداث صدمة إيجابية وهمية لا تلبث أن تتحوّل كابوساً تضخمياً يصعب ضبطه دون أن تكون مساهمة بنمو إقتصادي حقيقي وخلق فرص العمل المطلوبة والتسبّب بتدهور سعر الصرف في السوق وإلا الاضطرار المستمر لدعمه لو باستنزاف الاحتياطي بالعملة الأجنبية خاصة تحت ضغط حالات الدولرة الجزئية التي تتطلّب ربط العملة الوطنية بالعملة الأجنبية المستخدمة الى جانبها لتأمين الحد الأدنى من التوازن في سوق مفتوح على حرية حركة الرساميل حيث يستحيل تحقيق في آن معا استقلالية السايسة النقدية وحرية حركة الرساميل من والى الخارج وتثبيت سعر الصرف في الوقت نفسه، فكيف إذا أضيفت الى هذه العوامل عجوزات مالية متزايدة وتراكم مديونية على شكل كرة ثلج؟...
مبدئيا وابتداء من العام 1964, تاريخ إنشاء المصرف المركزي, تولّى هذا الأخير مهمة الحفاظ على ثبات سعر صرف العملة اللبنانية بالتعاون مع وزارة المال كما أوكل اليه “قانون النقد والتسليف” الذي صدر في ذلك الوقت في المادة 75 منه وذلك بعد أن نصت المادة 228 من هذا القانون على الغاء ادارة القطع, وتحويل موجوداتها الى المصرف المركزي. كما نصت المادة 75 منه, على إيكال مهمة تثبيت القطع الى المصرف المركزي, بالاتفاق مع وزارة المالية, على ان تسجّل العمليات التي تجري ضمن هذا الاطار في حساب خاص, يسمى “صندوق تثبيت القطع”.
وبما هو أبعد من مجرد إدارة سعر صرف العملة, عكس مضمون “قانون النقد والتسليف” اهتماما بإيجاد حد أدنى قانوني من استقلالية المصرف المركزي تجاه السياسات الحكومية, وبأن يكون هدف السياسة النقدية التي يعتمدها, الحفاظ على ثبات قيمة العملة الوطنية, وبما يجعل هذا الهدف أولوية لديها, أي ينفي وجود اهداف أخرى لها, كالإسهام بتمويل الخزينة أو تحفيز النمو الاقتصادي إلا في الإطار العام لرسالة المركزي كمصرف المصارف ومصرف الدولة طبعا.. وأكدت على ذلك المواد 88 الى 92 منه, التي نصّت على عدم جواز توفير سلفات من المصرف المركزي للدولة, إلا في الحالات الاستثنائية البالغة الدقة. وقد جاء فيها ما حرفيته في "المادة 88 أنه يجاز للمصرف ان يمنح الخزينة، بطلب من وزير المالية، تسهيلات صندوق لا يمكن ان تتعدى قيمتها عشرة بالمئة من متوسط واردات موازنة الدولة العادية في السنوات الثلاث الاخيرة المقطوعة حساباتها ولا يمكن ان تتجاوز مدة هذه التسهيلات الاربعة اشهر. والمادة 89 تعطى الحكومة اجازة دائمة تخولها اللجوء الى الاستلاف المنصوص عليه بالمدة السابقة كلما تبين لوزارة المالية وللمصرف المركزي ان موجودات الخزينة الجاهزة لدى هذا المصرف غير كافية لمواجهة التزامات الدولة الفورية. الا ان هذه الاجازة لا يمكن استعمالها اكثر من مرة واحدة خلال اثني عشر شهرا.
وتكمل المادة 90 أنه باستثناء تسهيلات الصندوق المنصوص عليها بالمادتين 88و89 فالمبدأ ان لا يمنح المصرف المركزي قروضا للقطاع العام. والمادة 91 الا انه، في ظروف استثنائية الخطورة او في حالات الضرورة القصوى، اذا ما ارتأت الحكومة الاستقراض من المصرف المركزي، تحيط حاكم المصرف علما بذلك. ويدرس المصرف مع الحكومة امكانية استبدال مساعدته بوسائل اخرى، كاصدار قرض داخلي او عقد قرض خارجي او اجراء توفيرات في بعض بنود النفقات الاخرى او ايجاد موارد ضرائب جديدة الخ…وفقط في الحالة التي يثبت فيها انه لا يوجد أي حل اخر, واذا ما اصرت الحكومة، مع ذلك، على طلبها، يمكن المصرف المركزي ان يمنح القرض المطلوب. حينئذ يقترح المصرف على الحكومة، ان لزم الامر، التدابير التي من شأنها الحد مما قد يكون لقرضه من عواقب اقتصادية سيئة وخاصة الحد من تأثيره, في الوضع الذي اعطي فيه، على قوة النقد الشرائية الداخلية والخارجية.
يعني بلغة مبسّطة إما زيادة الضرائب وإما طبع النقد وإما الاستدانة (ان بالليرة أو العملة الأجنبية). حين تعجز الضرائب عن تأمين تغطية الانفاق، ويتفادى المصرف المركزي طبع النقد مثلما حصل، لا يبقى إلا الاستدانة كما حصل بالضبط. تمويل البنك المركزي للدولة لم يتضارب مع المادة 91 لأنه لم يكن على طريقة طبع النقد! بل عبر شراء المصرف المركزي لجزء من سندات الخزينة وإدراج القطاع المصرفي أيضا بعملية الاكتتاب المذكورة بحيث أصبح مجمل الجهاز المصرفي غارقا في تمويل القطاع العام وضعف امكانية اجتذاب سواه للاكتتاب بسندات خزينة ترتفع مخاطرها ويتراجع تقييمها السيادي بشكل متتالي من مؤسسات التصنيف الدولية في ظل استمرار تدهور وضع المالية العامة التي أخذت ترفع الفوائد تعويضا عن مخاطر حمل سنداتها فتغرق زيادة بنفقاتها الجارية وحجمة الدين بدل الاصلاح وترشيد الانفاق! هذا الانفاق الجاري الموزّع بين 40% فوائد دين و40% رواتب قطاع العام و11% للكهرباء والباقي مصاريف تشغيلية لا تترك بصيصا للانفاق الاستثماري ولا بريقا للخروج من دوامة الاستدانة، لا بل تزيد التوظيف وتقرّ سلسلة رتب ورواتب غير محسوبة بدقة قبيل الانتخابات وتستمر بزيادة المخاطرة وتعويضها بالفوائد على الرغم من سلسلة تصاريح منذ 2011 من الجهاز المصرفي بصعوبة الاستمرار بتمويل القطاع العام في غياب الاصلاحات فيأتي الرد وعودا للدول المانحة بالاصلاح غير المنظور حتى تضمحلّ ثقة المجتمع الدولي ويختنق الاقتصاد من تراجع ميزان المدفوعات منذ 2011 ويتجمّد العمل المؤسساتي مرارا وتكرارا وسط تجاذبات تطيح بحركة الرساميل والسواح والاستثمار في البلاد وتتم المسارعة الى سايسات نقدية غير تقليدية سمّيت "هندسات مالية" من أبرز خلفياتها إعادة تعزيز الاحتياطي بالعملات الاجنبية للمصرف المركزي للاستمرار في سياسة تثبيت سعر الصرف تحت ضغط الدولرة والدين العام وربط العملة وحرية حركة الرساميل الذي يسمح بخطر هروبها...كما من أبرز نتائجها التي تم التهليل لها حينها استفادة الخزينة من حوالي 800 مليون دولار بالليرة اللبنانية أي مليار و 200 مليون ليرة شكلّت ضريبة أرباح 15% فرضت على مردود المصارف الذي قدّر حينها بحوالي الخمسة مليارات دولار جاءت لتسعف الدولة لتغطية سلسلة رتب والرواتب التي قدّرت حينها بالمبلغ نفسه (وطبعا جاءت فعليا أكثر بكثير وطبعا تزيد الانفاق سنويا وليست عملية سنة واحدة كما هي حال الهندسات الاستثنائية).. فيما المصارف دفعت الضريبة مع إعلانها أن المبالغ لم توزّع كأرباح بل شدّد المصرف المركزي على أن يتخصّص جزء منها لزيادة رسملة المصارف ويخصّص جزء لتمويل صندوق خاص لإعادة الاكتتبا بسندات خزينة من جديد وجزء ثالث يخصّص لتأمين قروض بالليرة اللبنانية مدعومة أي بفوائد مخفّضة للقطاعات لاسيما منها الإسكان لتمكين شريحة من المجتمع من شراء منزل لاسيما قبل إقرار قاتون تحرير الايجارات الجديد...
على خط أخر، وبما أن المصرف المركزي هو مصرف الدولة فتحدّد بكل الوضوح المادة 113 أن الربح الصافي للبنك المركزي يتألف من فائض الواردات على النفقات العامة والاعباء والاستهلاكات وسائر المؤونات. ويقيد 50% من هذا الربح الصافي في حساب المصرف المركزي يدعى "الاحتياط العام" ويدفع 50% الى الخزينة. عندما يبلغ الاحتياط العام نصف رأسمال المصرف يوزع الربح الصافي بنسبة 20% للاحتياط العام و80% للخزينة. واذا كانت نتيجة سنة من السنين عجزا، تغطى الخسارة من الاحتياط العام وعند عدم وجود هذا الاحتياط او عدم كفايته تغطى الخسارة بدفعة موازية من الخزينة .واذا اصبح رصيد حساب "الاحتياط العام" من جراء اقتطاع مبلغ بموجب الفقرة السابقة، اقل من نصف الرأسمال يجري توزيع الربح الصافي مجددا بنسبة 50% لهذا الحساب و50% للخزينة، الى ان يبلغ الحساب مجددا نصف الرأسمال.
أما في الخطة الإصلاحية للحكومة التي تحمل الكثير من الايجابيات ووضع النقاط على الحروف في مجالات كثيرة وترسم خطوات تبدو هادفة نحو الإصلاح، فمن الملفت والصحيح إشارتها الى "خسائر كبيرة تتضمنها ميزانية المصرف المركزي ينبغي معالجتها سريعا لإعادة بناء نظام نقدي موثوق به وإعادة بناء الثقة بالنظام". ولكن السؤال ما هو جوهر هذه الخسائر لضمان عدم تكرارها؟ بأي خيارات بالنقد والقطع كانت متّصلة وكيف كان يمكن تفاديها حتى لا تتم إعادتها ذاتها في غياب أي متغيّرات أخرى من العوامل المرافقة لها؟ كذلك بالنسبة للإشارة للخسائر في القطاع المصرفي أي المصارف التجارية نظرا الى انكشافها السيادي أي على سندات الخزينة إن بالليرة اللبنانية أو بالدولار الأميركي وكذلك على المصرف المركزي عبر التوظيف الهائل بشهادات الإيداع التي اجتذبت صوبها معظم الادخار في غياب فرص استثمارية أخرى تحمل مردودا موازيا مما حصل على حساب تمويل الاستثمار الخاص والنمو وخلق فرص العمل، علما أن الاستثمار بدوره ليست فقط عملية تقنية بحت مرتبطة بشكل حصري بالتأثّر فقط بمعدّل الفائدة على أهميته، فالاستثمار يتطلّب مناخا إستثماريا قبل أي شيء آخر وإلا حتى لو أصبحت الفائدة صفر قد لا تغيّر شيئا!
من هنا أيضا وعلى الرغم من تضييق نطاق ال Bail in وحصره بالشرائح العليا من الودائع بما أراح الأثرية من المودعين ولاسيما من له مبلغ متواضع ناتج عن تعويض نهاية خدمة أو تعب سنوات من الجهد، إلا أنه ينبغي ألأ يشكّل التوجه حتى الى كبار المودعين دافعا الى هروبهم وندمهم على الاستثمار والتوظيف في لبنان لا بل رسالة لأمثالهم من مقيمين ومغتربين ممن جهدوا وكوّنوا مؤنات تسمح لهم بتأسيس أعمال في لبنان أن يتفادوا تكرار هكذا تجربة ويحذروا سواهم منها، مما يضيّق الاستثمار والنمو أكثر فأكثر...
أما في ما يخص ساسية سعر القطع وارتباطها الضروري بوضع ميزان المدفوعات فمسألة معروفة علميا وأمر لا بد منه ولو أن التوقيت كان يمكن أن يكون أنسب مثلا بعد صدمة إيجابية ومناخ هادئ يهيء العملاء الاقتصاديين ويضعهم تدريجيا في جو تحرير تدريجي من منطلق قلة الحاجة للدعم وليس عدم القدرة على الاستمرار به! أما وقد حصل توقّف القدرة عن الاستمرار بالتدخل في سوق القطع من خلال احتياطات لدى المصرف المركزي فأصبحنا أمام أمر واقع وليس خيار سياسة قطع.. بكل الأحوال ليس هنا صلب المشكلة بقدر ما هو في وضع ميزام المدفوعات بحد ذاته حيث أن ليس دقيقا أن "تدفق الرساميل توقّف حاليا بشكل فجائي"، إذ لا هو توقّف فقط حاليا ولا هو بشكل فجائي شهج تدهورا منذ العام 2011 وبالتالي أي عملية ربط علمي في مكانها بين وضعها وسعر الصرف يحتاج أولا تحديد أسباب تدهور وضع ميزان المدفوعات والتدقيق في أسباب صعوبة اجتذاب الرساميل بما يغطي عجز الميزان التجاري كما كانت العادة تقليديا، ولا ما الذي سيضمن اتجاه ميزان المدفوعات مستقبلا ومنحى سعر الصرف خاصة أيضا في ظل تزايد الفجوة بين ودائع بالدولار وموجوجات الجهاز المصرفي بالعملة الأجنبية التي تحتاج بدورها تحديدا للأسباب وتفاديا للتكرار.
أما بشأن الإيجابيات النظرية لانخفاض سعر الصرف بالمطلق لجهة وتحفيز الصناعة المحلية زيادة القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية في الأسواق الخارجي وبالتالي زيادة الصادرات، على ما كان نصح بها وتراجع سابقا صندوق النقد الدولي، فهو أمر متعثّر عمليا في لبنان نظرا للاعتماد الكبير للصناعة المحلية على المواد الأولية والمدخلات المستوردة التي ترتفع أسعارها بطبيعة الحال مع كل تدهور لسعر الصرف، فترتفع من جديد كلفة الانتاج ويستغيث من جديد الصناعيون بالمصرف المركزي والدولة اللبنانية لدعم يصعب تحقيقه طبعا حاليا...والبرهان هو ارتفاع مجمل اسعار السلع اليوم في السوق حتى المنتجة محليا!
أما فائض السيولة المتسبّب بتضخّم فمسألة معروفة لا شك فيها، إلا أن الاقتصاديات المدولرة لا يجدي فيها اعتماد سياسة ضبط السيولة بسياسة نقدية متشدّدة فقط دون ضبط سعر الصرف كون معظم السيولة المتداولة فيها هي بالعملة الأجنبية وبالتالي أي تدهور بسعر الصرف يستجلب "تضخّم مستورد" لأنه يجعل المنتجات المستورد أغلى خاصة في إقتصاد يستورد 80% من حاجاته الاستهلاكية.
في حين أن القطاعات الزراعية والصناعية كانت تنادي مرارا وتكرارا لاعادة النظر بالعديد من المعاهدات والاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف وخاصة منذ العام 2005 وبلوغ مرحلة التحرير التام وفق اتفاقية التيسير العربي (غافتا) ولطالما طالبت وكان لنا فرصة التعاون معها جميعا في إطار مركز "قدموس" للحد من المنافسة غير المشروعة وإقرارا قانون مكافحة الإغراق والتشدد في الرزنامات الزراعية والمعاملة بالمثل في التبادل الصناعي إزاء رسوم غيرجمركية مماثلة لها في بلدان عديدة قلّصت القدرة التنافسية للمنتجات اللبنانية وقد تم تقديم "ورقة القطاع الخاص اللبناني بشأن إتفاقيات تحرير التجارة" الى جميع المعنيين بغية رفعها أيضا الى الجامعة العربية حينها بمشاركة كل من جمعي الصناعيين وجمعية المزارعين وجمعية أصحاب المطاعم والمؤسسات السياحية ونقابة أصحاب الفنادق ونقابة أصحاب سيارات الشحن وجمعية التجارة والعديد من النقابات القطاعية وأعنت المطالب كلها في مؤتمر صحافي غرفة الزراعة والصناعة والتجارة لبيروت وجبل لبنان...وبقيت المطالب نفسها الى اليوم...
أما اليوم في البحث عن التحرير التدريجي الذي سبق وسق وعرفة لبنان ولكن بالاتجاه المعاكس عندما تم تخفيض سعر الصرف تدريجيا بين 1993 و 1997 تمهيدا للربط عام 1997 بما كان يحضّر السوق نحو منحى تهدئة ولكن الى أي مدى يمكن التحكّم بالسوق والتضخّم عندما يكون المنحى معاكس أي باتجاه ارتفاع سعر الصرف ليس اخفاضه.. فيبقى السؤال حول مدى تجاوب السوق مع المراحل أو مسابقتها لتخطيها...
Période Régime de change de facto Définition
1990-1992 Flottement libre
(independently floating) Taux de change déterminé par le marché, avec d’éventualités interventions officielles visant à en limiter les fluctuations injustifiées, sans chercher à en fixer le niveau
1993-1997 Partie glissante prospective (forward looking crawling peg) Taux de change ajusté périodiquement à un rythme ou en fonction d’indicateurs prédéfinis
1998- Fixe conventionnel par rapport à une seule monnaie (conventional fixed peg et a single currency) Taux de change fixe par rapport à une devise etrangere, sans engagement de maintien irrevocable, pouvant fluctuer dans des marges etroites de ± 1% autour d’un cours central
Source : Bubula et Otker-Robe (2002) et FMI http://www.imf.org.org/external/np/mfd/er/ 2004/eng/1204.htm
أما في ما يتعلّق بخيار ربط الليرة اللبنانية بعملة أجنبية واحدة، فقد سبق وطرح جدل حوله نظرا لما كانت تتعرّض له قيمة العملة الوطنية من اهتزاز كلما تغيّرت قيمة الدولار نفسة بالنسبة لسائر العملات الأجنبية لا سيما تلك التي تمثّل بلدانها شريك تجاري بارز للبنان (مثلا الأورو)، لذا كان طرح في مرحلة ما إيجاد صيغة ربط إزاء سلة من العملات بشكل نسبي وفقا لحجم التبادل التجاري مع بلدانها كشركاء تجاريين أساسيين مع لبنان... مع توسيع هامش الربط وجعلها أكثر مرونة..
يبقى الأساس أن يتجاوب السوق ويثق بالخيارات المتخذة وآفاقها ويجدها مطمئنة ومقنعة كما المهم على خط مواز أن تجد الخطة طريقها باتجاه البلدان المانحة والمنظمات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي كما ذكرت ليس فقط للمبالغ الداعمة التي يمكنه أن يؤمنها مباشرة بل لمتابعته الدائمة المطلوبة خطوة خطوة للاصلاحات المرجوة ورفعه التقرير حول تقدّمها بما يعزز الثقة ويستقدم إستثمار أجنبي واعد وهنا أهمية الخطة وحسن تطبيقها.
__________________________

https://www.aljoumhouria.com/ar/news/530728/%D8%AA%D9%85%D9%88%D9%8A%D9%...

مقال
لمشاهدة ملفات الدراسات، نأمل تسجيل الدخول, أو تسجيل عضوية جديدة
بواسطة:
باحثة وأستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف في لبنان
عضو منذ: 24/09/2016
عدد المشاركات: 71