الجمعة 10 شوال 1445 الموافق أبريل 19, 2024
 

بعد عرض الأوضاع لحاملي اليوروبوند: أرقام تخلط الحسابات !

الخميس, 23 أبريل, 2020

بعد عرض الأوضاع لحاملي اليوروبوند:

أرقام تخلط الحسابات !

د سهام رزق الله (أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف – كلية العلوم الاقتصادية)

https://www.aljoumhouria.com/ar/news/523327/%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%B9%D8...

مع المبادرة اللافتة في التقديم المباشر عبر الانترنت للعرض الأول للحكومة اللبنانية إلى دائنيها حاملي اليوروبوند أرقام كثيرة طرحت للمرة الأولى وأعادت خلط أوراق عديدة وحسابات كثيرة في النظرة المستقبلية الى الخيارات الاقتصادية للبنان. ما هي أبرز الأقام الملفة في القراءة التي تم تقديمها من قبل وزارة المال الى دائنيها بشكل خاص بالعملة الأجنبية وأي إشكاليات تحمل في انعكاساتها المنتظرة على الاقتصاد اللبناني ككل؟ الاجابات تصبح تساؤلات تتطلّب حسن الاوقف عند أبرز الأرقام المذكورة، الاستفسار حول وقعها على الأفرقاء الاقتصاديين في الداخل والخارج كما الاجراءات التي يمكن أن يتتطلّبها التعامل معها في المرحلة القادمة.

**********************

في أبرز الأرقام التي من شأنها أن تعكس امكانية استدامة الدين العام لا بد من التوقّف عند نسبة الدين العام / الناتج المحلي التي تفرض المعيرر المعروفة دوليا أن ينبغي ألا تتخطى حدود 60 الى 80 % لتمكين الاقتصاد من الخروج من استعادة الثقة بالقدرة على ايفتء ديونه وطمأن دائنيه الى سبل الخروج من دوامة الاستدانة لتسديد فوائد الدين وتنامي المديونية ككرة الثلج... وهنا كانت المآخذ في قراءة الموازنات السابقة التي كانت تطرح أرقام طموحة لنسبة الدين العام/الناتج المحلي بالتوازي مع ازدياد العجز المالي والدين العام وكأن الرهان كان على تكبير حجم الناتج المحلي المتوقّع ببداية كل سنة فيكون حصاد النتيجة مخيبا في نهايتها. أما في العرض الذي قدّمته وزارة المال للدائنين فجاء توقّع يانكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 12٪ في عام 2020 ، بعد الانكماش الأول بنسبة 6.9٪ في عام 2019، ليعيد النظر بمسار استدامة الدين ككل ويطرح سيناريوهات جديدة لنسبة الاقتطاع من الدين العام التي يمكن أن يحتاجها لبنان ليصبح على مسار الاستدامة على ضوء الانكماش المرتقب للناتج المحلي.

وقد تبيّن من عرض وزارة المال أن الحكومة تخطط لإعادة هيكلة الدين بالدولار - على سندات اليوروبوند - ولكن أيضًا الدين بالليرة اللبنانية - على سندات الخزينة - من أجل جعلها أكثر استدامة واتساقًا مع خطة الإنعاش الاقتصادي قيد الاعداد. علما أن الدين العام بالدولار يبلغ 31.314 مليار دولار. علما أن مقاربة إعادة هيكلة سندات اليوروبوند ينتظر أن تعتمد بشكل كبير على مقدار الاحتياطيات بالعملة الأجنبية التي ستكون بتصرف الدولة والمصرف المركزي وما ستؤمنه من هامش تحرّك.

كما تمت الاشارة الى شمول إعادة الهيكلة للدين بالليرة ، الذي يعادل 57.072 مليار دولار ، وهي ستعتمد على الموارد التي ستكون ممكنة بالليرة اللبنانية وبشكل أدق على الفائض الأولي المرتقب على المدى المتوسّط ، أي الرصيد بدون احتساب خدمة الدين (الفوائد على الدين العام)

في عام 2020 وحده ، كان على لبنان سداد 4.7 مليار دولار على شكل كوبونات وسندات يوروبوند الرئيسية. “بدأنا بسداد القسائم لشهري يناير وفبراير ، والتي تمثل حوالي 100 مليون دولار. لن يتم سداد المبلغ المتبقي 4.58 مليار دولار حتى يتم التوصل إلى اتفاق. ومن المتوقع أن يسدد لبنان ما يعادل 10.3 مليار دولار من سندات الخزينة في عام 2020.

http://www.finance.gov.lb/en-us/Finance/PublicDebt/DebtReports/Documents...

وقد تمت الاشارة الى أن دينامية الدين / الناتج المحلي الإجمالي ستكون على أساس ثلاث معايير:

(1) تكلفة إعادة التمويل التي تطلبها الحكومة للسنوات القادمة،

(2) توقعات النمو مع مراعاة الوضع في لبنان والمنطقة والعالم،

و (3) الفائض الأولي الذي ستنجح الحكومة في تحقيقه

وقد أظهر العرض أإن الاحتياطيات النقدية لمصرف لبنان في انخفاض مطرد في السنوات الأخيرة. وقد أعلن أن احتياطيات المصرف المركزي تبلغ حوالي 22 مليار دولار أميركي ، منها 18 مليار دولار كإحتياط الزامي على الودائع المصرفية (يسازي 15% من مجموع الودائع بالعملات الأجنبية والتي كانت مقدّرة بحوالي 120 مليار دولار) علما أن الودائع المصرفية تراجعت منذ النصف الثاني من العام 2019 ، حيث انخفاض بحوالي 5 مليارات دولار في كانون الأول 2019.

هذا العرض يمكن أن يوحي أن ما تبقى فعليا لدى المصرف المركزي، كفارق بين مجموع الاحتياطي بالعملات الأجنبية والاحتياطي الالزامي على الودائع هو 4 مليارات دولار، ولكن في الواقع ثمة 52.2 مليار مليارت دولات توظيفا للمصارف لدى المصرف المركزي على شكل شهادات إيداع بمردود بين 7 و8 في المائة مما يرفع التزامات المصرف المركزي تجاهها الى حوالي 70 مليار دولار أميركي، ما يطرح علامات إستفهامحول هامش التحرّك الحقيقي الذي سيعتمد لبناء الخيارات المستقبلية عليه لجهة اعادة هيكلية الدين بالعملة الأجنبية والاصلاح المالي الاقتصادي الشامل الموعود.

في حين تظهر إحصاءات جمعية المصارف توقّع انكماش في إجمالي الناتج المحلي بنسبة لا تقل 5 في المائة وتسجيل الدين العام اللبناني زيادة ملحوظة ناهزت 6.5 مليارات دولار، ليصل إلى نحو 92 مليار دولار في نهاية العام 2019، بارتفاع 7.6 في المائة. على خط مواز، كان من الملفت التشديد على أهمية إصلاح القطاع المصرفي الذي طالما مثّل العمود الفقري الاقتصاد اللبناني، وهو يتحلى بأهم المؤشرا عالميا منها نسبة الأصول / الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 422٪. .. الا أن أزمة القطاع المصرفي، المطالب طبعا مثلما ورد في العرض بالمشاركة أكثر في تمويل الاقتصاد، تكمن في نسبة انكشافه على الدين السيادي والذي لا يقتصر على الدين العام ومنه حوالي 14 مليار بالدولار الأميركي، إنما أيضا بالتوظيفات التي ذكرناها في المصرف المركزي وتحديدا ال70 مليار بالدولار الأميركي.. وهنا السؤال عن كيفية تصوّر اعتماد النهوض على القطاع الذي سيتكبّد بدوره أعباء إعادة الهيكلة التي يبدو أنها ستطاول جميع مكوّنات الدين العام بالدولار وبالليرة اللبنانية وأكثرها محمول من الجهاز المصرفي (المصارف التجارية والمصرف الركزي)

كما من الملفت ايضا الرقم المتوقّع للتضخّم عام 2020 الذي سيصل إلى 27.1٪ وهو يعكس عمليا تضخما مزدوجا، تضخما "مستوردا" ناتجا على اضطرار المؤسسات المستوردة الى شراء الدولار من السوق الموازي لدى الصرافين للتمكّن من تحويله الى الخارج واستيراد المنتجات مما يعيد النظر بفوائد التمسّك بتثبيت سعر الصرف الرسمي تحت راية تفادي تدهور القدرة الشرائية للمواطنين ذوي الدخل المحدود بالليرة اللبنانية طالما لا إمكانية للمستوردين لشراء الدولار من المصارف على أساسه ولا لتحويله عبرها للاستيراد وإبقاء الأسعار على مستوياتها السابقة حفاظا على القدرة الشرائية. معدّل التضخّم يبرهن أن المستوردون والموزعون والتجار يضطرون للتعامل على التعال بسعر دولار السوق الموازي لاستيراد المنتجات ويعكسون أسعادها على المستهلكين التدهورا واضحا بقدرتهم الشرائية ولا يجدون مأمنا لهم بسعر الصرف الرسمي... أما اختيار المنتجات اللبنانية فهو أيضا لا يحمي المستهلكين من ارتفاع الأسعار كون معظم هذه المنتجات وفق الصناعيين اللبنانيين تعتمد على استيراد موادها الأولية وبالتالي تفع كلفة إنتاجها مع شراء الدولار من السوق الموازي فينعكس هذا الارفاع زيادة في أسعارها...ولا تتأثر بثبات سعر الصرف الرسمي. وقد أقرّ عرض وزارة المال بانخفاض قيمة الليرة اللبنانية بحكم الواقع بأكثر من 67٪ في سوق الصرف الموازي... ويبقى السؤال حول إمكانية أن تشمل المقاربة الاصاحية إعادة النظر أيضا بخيارات سياسة القطع على ضوء مقارنة تكاليفها المتزايدة وفوائدها غير المنظورة حاليا مع تدهور القدرة الشرائية للمواطنين بفعل "التضخّم المستورد" وطغيان سعر صرف السوق الموازي الذي بات المكان الوحيد لتأمين الدولار للمستوردين (خارج مجال الأدوية والمواد الطبية والمحروقات والطحين المؤمنة بالسعر الرسمي للدولار).

وأبعد من مسألة تقييم الفوائد/التكاليف في سياسة سعر الصرف ومسألة احتساب ما تبقى من إجتياطي بالعملات الأجنبية للدفاع عن استمراريتها، يبقى السؤال الى أي يمكن يمكن أن تتماهى مع وضع ميزان المدفوعات الذي يشهد تزايدا في عجزه منذ العام 2011 (ما عدا استقطاب بعض الرساميل بالدولار للمساهمة في الهندسات المالية عام 2016)، مع صعوبة استقطاب رساميل تعوّض عن العجز التقليدي في الميزان التجاري...وهنا يبقى القول أن بالرجوع الى الثالوث المستحيل Triangle des incompatibilites

الذي يؤكد في علم الاقتصاد على استحالة اعتماد في الوقت نفسه استقلالية في السياسة النقدية للمصرف المركزي، تثبيت سعر الصرف وحرية حركة الرساميل في آن معا..بل فقط اثنان من الثلاثة

وبعد أن كان ذلك معروفا علميا وثبت في لبنان حتى بالتجربة، هل يكون الاختيار عن الخيار وقع على الاحتفاظ بالتمسّك بتثبيت سعر الصرف لو في غياب عمليات التحويل المصرفي بين العملات والتخلي في المقابل عن حركة الرساميل؟ وهل هكذا خيار قابل للحياة في بلد يعيش في حرية حركة الرساميل منه واليه لدوره كصلة وصل في مختلف القطاعات الخدماتية؟ أم هنالك رؤيا لدور إقتصادي جديد للبلد ووفق أي معايير وأي دراسة نتائج؟

__________________

مقال
لمشاهدة ملفات الدراسات، نأمل تسجيل الدخول, أو تسجيل عضوية جديدة
بواسطة:
باحثة وأستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف في لبنان
عضو منذ: 24/09/2016
عدد المشاركات: 71