الجمعة 10 شوال 1445 الموافق أبريل 19, 2024
 

الشباب والمسؤولية الاجتماعيّة

الأحد, 12 فبراير, 2017

المجتمع مجموعة علاقات مثاليّة تنشأ بين أفراده، وليس مجموعة أفراد يعيشون في حيز مكاني واحد. وإذا كان الإنسان مدنيًا بطبعه، فإن المدنيّة لا تكون فاعلة إلا بالممارسة الحضارية التي تكشف السلوك الجميل للفرد والمجتمع.
والقرآن الكريم يؤكد كثيرًا بث ثقافة المسؤولية الاجتماعية، من خلال الحديث عن أمانة الاستخلاف وولاية المؤمنين وتكاتفهم، وترسخ السنة النبوية هذه القيمة في مواضع كثيرة يظهر فيها المجتمع الإسلامي كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضا. ويحذرنا النبي صلوات الله وسلامه عليه من فقدان التوازن الاجتماعي في حديث القصعة الذي يتحول فيه المجتمع إلى بيئة جاذبة للاستعباد. ولكي لا نكون من جيل القصعة هذا فإن تنمية ثقافة المسؤولية الاجتماعية لدى الشباب أولوية مهمة من أولويات التنمية المستدامة.

وإذا كانت المجتمعات الإسلاميّة مجتمعات تبلغ نسبة الشباب فيها 60% ؛ فإن الاهتمام بتنمية هذه الثقافة لدى الشباب من أوجب الواجبات.

والمتأمل في أحوال المجتمعات الغربية يجد أن ثقافة العمل الاجتماعي ركيزة من ركائز التربية، ومقوّم من مقومات الشهود الحضاري. فقد أكدت بعض الإحصائيات المنشورة متانة مخرجات هذه الثقافة في الغرب، ففي بريطانيا يشارك 22 مليون شاب سنويا في أعمال التطوع، في حين أن هناك 10 ملايين شاب يعملون أسبوعيًا، وينجز المتطوعون ما يعادل 90 مليون ساعة عمل تقدرها قيمتها بـ 40 مليار جنيه إسترليني. وفي فرنسا نجد 11 مليون شاب يتطوعون للعمل أسبوعيا، وتصل نسبة المتطوعين في كندا إلى 91% من عدد السكان، وتنخفض إلى 45% في ألمانيا.

في المقابل تشير دراسة أجرتها الشبكة العربية للمنظمات الأهلية إلى أن الفئة العمرية للشباب العربي (من 15- إلى 30 سنة ) هي أقل الفئات العمرية اهتماما بالعمل التطوعي، وهذا الفقر المعلوماتي عن ثقافة العمل الاجتماعي في بلداننا نتيجة حتمية لضمور الوعي بهذه الثقافة وتحول المجتمع إلى بيئة طاردة لها.
إن هذه الثقافة إنما تنمو في مجتمعات تحترم كرامة الإنسان، وتقدر إنسانيته، وتحقق له قدرًا جيدًا من الإحساس بالأمن الاجتماعي. ولا يمكن الحديث عن ثقافة عمل اجتماعي خلاق في مجتمعات تهدر كرامة الإنسان، وتسحق إنسانيته.

المواطن الذي لا يجد فرصة عمل، ولا يشعر بتوازن العلاقة بين الحقوق والواجبات في مجتمعه، ويقضي يومه في سبيل تأمين قوته، والحصول على أدنى متطلبات العيش الكريم لن يجد في العمل الاجتماعي إلا مضيعة للوقت، ولعبة من لعب المترفين يشغلون بها وقت الفراغ، وميدانا للتفاخر والتجمل الاجتماعي.

هذه الثقافة لن تنمو إلا في ظل مجتمعات تسود فيها العدالة الاجتماعية، فيشعر الناس بمكاسب هذه العدالة، وتفيض على أرواحهم شعورًا خلاقا بالانتماء والإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين. ولن تترسخ هذه الثقافة إلا من خلال منظومة تربوية متكاملة يشترك فيها البيت والمدرسة والشارع والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني ورجال المال والأعمال.

هذا السباق المحموم لدى الشباب في الغرب لم يكن ليتحقق لولا وجود بيئة اجتماعية خلاقة، فوجود 90 مليون متطوع في أمريكا ـ مثلا ـ وتبرعات بلغت أكثر من 212 مليار دولار فرضه شعور بقيمة الوطن واغتباط بكرامة الإنسان.

سؤالي كم لدينا من الأثرياء العرب رجل بحجم الشيخ سليمان الراجحي؟ وكم في الغرب بحجم بيل جيتس وجيري فيلول الجواب هو الذي يحدد المسافة بين عالمين لن يلتقيا هما الشرق والغرب؟.

https://www.wisalnews.com/saudi/240992.html

مقال
لمشاهدة ملفات الدراسات، نأمل تسجيل الدخول, أو تسجيل عضوية جديدة
بواسطة:
باحث ومهتم بالمسؤولية الاجتماعية
عضو منذ: 21/08/2016
عدد المشاركات: 160