الجمعة 19 رمضان 1445 الموافق مارس 29, 2024
 

دعوات لرفع مستوى المسؤولية الاجتماعية لدى المنشآت السعودية

الأربعاء, 7 سبتمبر, 2016

تحقيق - هيام المفلح

القطاع الخاص تقع عليه مسؤولية كبيرة في خدمة المجتمع

تقتضي ضرورات المجتمع الحديث أن يشارك أفراده ومؤسساته الخاصة بتقديم خدمات اجتماعية متعددة المجالات والمستويات كمشاركة فاعلة منهم في بناء المجتمع وتنميته انطلاقاً من مبدأ المواطنة ومبدأ المسؤولية الاجتماعية التي باتت لزاماً في بعض المجتمعات على سبيل المنفعة المتبادلة أو الالتزام الأخلاقي.

في التحقيق تبحث "الرياض" مع مختصين دور المسؤولية الاجتماعية للفرد والقطاع الخاص في مجتمعنا الاقتصادي السعودي وتأثيرها المنشود في الإصلاح الاقتصادي، ونبحث في ثغرات تنفيذها، كما نطرح بعض المقترحات التي تؤسس لهذا النوع من المسؤولية وتنهض بها لتقوم بدورها في بناء مجتمع متماسك.

توضيح نشأة المسؤولية الاجتماعية ودورها في نهضة وتنمية المجتمع الاقتصادي السعودي يقول الدكتور عبد العزيز بن علي الغريب أستاذ علم الاجتماع المشارك بقسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بجامعة الامام:كانت مهمة الدولة الأساسية في الماضي، المحافظة على الأمن الداخلي والخارجي للدولة وأبنائها، وهو ما دفع بعض المفكرين إلى تسميتها بدولة الأمن، أما في عصرنا الحاضر فقد شملت هذه المهمة الخدمات، مما دفع البعض لتعديل الاسم السابق إلى تسميتها بدولة الخدمات الاجتماعية.

ولكي تتمكن الدولة من تقديم الخدمات الاجتماعية والسياسية للمواطنين، اتجه التفكير إلى إنشاء المؤسسات الاجتماعية والسياسية التي توكل إليها أمور القيام بهذه أو تلك، فكانت المؤسسات العامة. وإذا كانت الدولة عاجزة عن تقديم الخدمات دفعة واحدة تداعى المواطنون إلى إنشاء بعض المؤسسات الاجتماعية والسياسية لمعاونة المؤسسات العامة من جهة، ولمراقبتها من جهة ثانية فكانت المؤسسات الخاصة.

والمؤسسات الاجتماعية يتم إنشاؤها عادة استجابة للحاجات الإنسانية لأفراد المجتمع، فبسبب الحاجات الإنسانية تظهر المؤسسات الاجتماعية وتبرز لخدمة أفراد المجتمع.

وفق هذه الرؤية - يستطرد د. الغريب- فإن إدارة أي دولة حالياً تتم عبر ثلاث قطاعات رئيسة وهي القطاع الحكومي كقطاع أول رئيس، والقطاع الثاني هو القطاع الخاص، والقطاع الثالث هو القطاع الخيري أو المنظمات غير الربحية، وكلها تدور في فلك مجتمع مادي قائم يدير حياة الناس ويحقق إشباع احتياجاتهم ويعالج مشكلاتهم.

ويوضح د. الغريب أن تنامي ظهور المنظمات الأهلية غير الربحية قد جاء نتيجة الطلب للاستقلالية وتقوية مؤسسات التنمية المستدامة والمجتمع المدني، ولتنافس المؤسسات الرسمية للدولة ومؤسسات القطاع الخاص التجارية، ولخلق التوازن المطلوب في المجتمع، فالمنظمات الأهلية غير الربحية هي منظمات لا يستفيد القائمون على إدارتها من عائد أنشطتها وبرامجها أي منفعة شخصية، بل نشاطاتها وبرامجها لخدمة هدف عام، وأهم ما يميزها عن غيرها من المنظمات هي رسالتها والغرض من إنشائها، فالمنظمات الخاصة، كان الغرض من إنشائها هو تحقيق الربح، والحكومية وجدت للدفاع عن البلاد وحماية مكتسباتها، وأمنها القومي، لتحقيق الأمن والعدالة بين أفراد المجتمع والعمل على تحقيق الرفاهية العامة للمجتمع بتحقيق النمو الاقتصادي، والقضاء على البطالة، في حين أن المنظمات الأهلية غير الربحية وجدت غالبا لتقديم بعض الخدمات ودعم بعض التوجهات في مجالات متعددة اقتصادية واجتماعية وسياسية مثل (تنبيه المجتمع لبعض المخاطر البيئية والاجتماعية أو تقديم الرعاية الصحية أو خدمات تعليمية وتربوية وثقافية واجتماعية)وغيرها من الأسباب التي تحمل الطابع العام لأهمية توفير الأمن الاجتماعي ورفاه المجتمع بصفة عامة.

وحالياً يعيش المجتمع السعودي وفق توجيه قيادته السياسية حركية شاملة في الإصلاح المتعلق بالمشاركة الشعبية وتنظيم مؤسسات المجتمع المدني في المجتمع السعودي، وتنفيذ إصلاحات اقتصادية ساهمت في تحسين الملف السعودي للانضمام لمنظمة الجات العالمية، وتنمية الحياة الاقتصادية للمجتمع.

فالإصلاح السياسي والاجتماعي في مجتمعنا السعودي كان تدريجياً، والمملكة تخطو خطوات واثقة باتجاه الدمقرطة وليس الديمقراطية، وذلك وفق برنامج زمني أعد بعناية.

واقع الحال

@ كيف نقرأ ونقيّم الآن واقع المسؤولية الاجتماعية لشركات ومؤسسات القطاع الخاص؟

في السنوات العشرين الأخيرة برز مفهوم المسؤولية الاجتماعية لشركات ومؤسسات القطاع الخاص، والذي يشير إلى الواجبات الاجتماعية عليهم تجاه مجتمعهم دون منة أو تفضل، فالمسؤولية الاجتماعية تعني قيام القطاع الخاص بتقديم خدمات اجتماعية بمباشرة أو غير مباشرة تجاه المجتمع دون انتظار قدوم المجتمع معه لحثه على القيام بها، فأبجديات القيم الأخلاقية تفرض على القطاع الخاص التفاعل الايجابي مع مسؤولياته وواجباته الاجتماعية.

كما يرى المهتمون بقضايا المسؤولية الاجتماعية للمنظمات Social Responsibility والتي هي عبارة عن عقد اجتماعي ما بين المنظمات والمجتمع لما تقوم به المنظمة من عمليات اتجاه المجتمع، أن جمهور المنظمة يكون على استعداد لخلق أجواء من التعرض والتضاد، إذا أهملت إدارة المنظمات مسؤوليتها الاجتماعية تجاههم. وإن كانت الدراسات قد أشارت إلى تقصير واضح في قيام الشركات في العالم العربي تجاه المسؤولية الاجتماعية وهذا يتطلب توجيه القائمين على تلك المنشآت بأهمية المسؤولية الاجتماعية. وفي نفس الوقت اتضح أن مشاركة مؤسسات وشركات القطاع الخاص في مسؤولياتهم الاجتماعية له جوانبه الربحية وهو بالفعل ما أسهم في نمو عائدات بعض شركات ومؤسسات القطاع الخاص.

ومن المسؤوليات الاجتماعية التي يرى د. الغريب أهميتها حاليا في ظل سياسة الإصلاح الاقتصادي التي تعيشها المملكة من اجل تحقيق الرفاه الاجتماعي المنشود: هو تفاعل القطاع الخاص بايجابية مع القرارات التي يصدرها القطاع الحكومي لرفع مستوى الرعاية الاجتماعية، وكذلك الإسهام الايجابي في برامج الخصخصة لبعض القطاعات الحكومية، ووضع نصب عينيه عدم الانتهازية للظروف التي تمر بها أي دولة وهي تسير في الإصلاح لدفع العملية للأمام، وعدم وضع العراقيل لها. ومن أمثلة ذلك المشاركة بفعالية في التوظيف وتشغيل وتدريب الشباب السعودي والتنازل ولو قليلاً عن الربح أو العائد المراد، وتفضيل المصلحة الوطنية على المصالح الضيقة، فالاختلالات الاجتماعية وانتشار المشكلات الاجتماعية لن تدفع ضريبته المؤسسات الحكومية فأيضاً مؤسسات وشركات القطاع الخاص ستدفع في الوقت نفسه الثمن جراء ذلك، لذلك جوبهت قرارات وزارة العمل الحاثة على السعودة ومعالجة البطالة بمواجهات وتصريحات تدل على عدم وعي بحقيقة المسؤولية الاجتماعية والدور الذي يجب أن يقوم به القطاع الخاص في التنمية الاجتماعية.

ويورد د. الغريب مثلا عندما صدر قرار تشغيل الفتيات السعوديات في محلات الملابس الخاصة، يقول أننا لاحظنا وقتها تحالفات القوى التي قادها الاقتصادي لعرقلة ووقف هذا القرار، وتوظيف بعض المفاهيم من اجل إيقافه، والحقيقة كانت انه يرى أن مثل هذا القرار لا يعطيه الربح الذي يريد، لذلك سعى لعرقلته متناسياً مسؤوليته الاجتماعية تجاه بناء الشابة السعودية وبناء الأسرة ووقاية المجتمع مما قد يحدث عند عدم عمل الشابات، هذا مثال واقعي لم يعيه الكثير وجوبه بمعارضات دون وعي بحقيقة الممانعة من قبل الاقتصادي.

ويقول د. الغريب أن هناك شركات ومؤسسات تعي حقيقة مسؤولياتها الاجتماعية وتقوم بدور مهم جداً في هذا المجال، لذلك يقترح إيجاد جائزة للمسؤولية الاجتماعية، وزيادة تنظيم الندوات والمحاضرات لتسويق مثل هذا المصطلح في مؤسساتنا وشركاتنا لتعديل نظرة المنة والكرم التي لا زالت سائدة لدى الشركات والمؤسسات عند دعمها للجمعيات الخيرية.

فكما تحرص كثير من المنظمات على اكتساب عضوية منظمات المعايير والمواصفات الدولية، والتي من أبرزها آيزو 9000(ISO9000) يمكن للمؤسسة استعمال هذه الميزة على أوراقها من اجل زيادة قدرة المنظمات على المنافسة مع مثيلاتها وزيادة أرباحها، أو زيادة حصتها في السوق، أو رفع مكانتها وسمعتها داخل مجتمعها.

ولعلنا نتذكر تدافع المنظمات بمختلف مستوياتها عن الإعلان عن حصولها على شهادات من الهيئات الدولية المختصة في مجال الجودة، إذ ترى أن مثل هذه الشهادة والإعلان عنها وسيلة تسويقية لزيادة الثقة بها، فعليها أيضاً التدافع من اجل الحصول على شهادة المسؤولية الاجتماعية التي أصبحت الآن معياراً مهما للثقة في أداء شركات ومؤسسات القطاع الخاص.

ويضيف د. الغريب أن هناك إجماعاً حالياً بين الباحثين في البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على أن لرأس المال الاجتماعي مكونين "مدني" و"حكومي"، ويتضمن رأس المال الاجتماعي المدني مستويات عامة من الثقة، ومعايير للتعاون والثقة في الحكومة فيما يتصل رأس المال الاجتماعي الحكومي بمدى فعالية المؤسسات الرسمية في تيسير العمل الجماعي، وعلى ذلك يكون رأس المال الاجتماعي المدني ورأس المال الاجتماعي الحكومي متكاملين، فالمجتمع المدني المتماسك يسهم في إنشاء مؤسسات أكبر وأكثر فعالية، فيما تدعم البيئة المؤسسية المستقرة والفعالة تماسك المجتمع المدني.

نماذج مقترحة

من النماذج الايجابية المقترحة لممارسة المسؤوليات الاجتماعية يذكر د. عبد العزيز الغريب أنه سبق واطّلع على ورقة لإحدى الشركات حول تجربتها في مجال المسؤولية الاجتماعية قدمت في ملتقى المسؤولية الاجتماعية الذي عقد مؤخراً في مدينة الرياض، وهذا الورقة حملت معاني ايجابية حول الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية، أولها انبثاقها من القيم الإسلامية المتمثل في ثلاثة عناصر مهمة هي: الأمانة، والبر، والتقوى، ثانيها أن من نماذج استشعار المسؤولية الاجتماعية تحقيق مبدأ الشفافية والإفصاح وتطوير العلاقة مع المساهمين، وتوفير بيئة صحية للعاملين، وتطوير برامج القدرات البشرية، وعدم إصدار بيانات مضللة للمنتجات الخاصة بالشركة وتطبيق نظام التظلم للعاملين. وهذا كله يسهم في رفع درجة الثقة بها في الأوساط الاجتماعية، من خلال تبني العديد من المشاريع التي تتمثل في دعم الأفكار التجارية للمبتدئين، وتوظيف الشباب عن طريق برامج السعودة، ومساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة وظيفياً، بالإضافة إلى توظيف الأيتام والمعوقين بصرياً، والذي أدى إلى نتائج إيجابية من أهمها تحسين سمعة الشركة، وزيادة ثقة العملاء بها، وانحسار الخلافات داخل الشركة، وجذب موظفين ذوي كفاءات عالية، كذلك من المسؤوليات الاجتماعية مراعاة أوضاع ارتفاع الأسعار وأحوال الكساد الاقتصادي وعدم المبالغة في انتهاز تلك الأوضاع.

لذلك يشدد د. الغريب على أهمية التنبه للواجبات والمسؤولية الاجتماعية وتأثيرها على مسيرة الإصلاح حتى لا تعود بالخسارة على الجميع.

تذبذب أو انخفاض مؤشر علاقة الفرد عموماً - والتاجر خصوصاً - بالمسؤولية الاجتماعية الوطنية دليل على وجود خلل ما مع أن لهذه العلاقة منبع ديني ظهر واضحاً وجلياً في القرآن والسنة ونهج الصحابة، يؤكد هذا الدكتورعبد العزيز بن ابراهيم العسكر أستاذ الشريعة في جامعة الإمام بقوله:

إن مسؤولية التاجر المسلم نحو مجتمعه بارزة في نصوص الشريعة المطهرة، وذلك لكونه أقدر مادياً من سواه بالإسهام في خدمة المجتمع وذلك بالإنفاق على وجوه التنمية والبناء، لقد مدح الله تعالى في القرآن الكريم أهل الإنفاق في وجوه الخير سواء بالزكاة المفروضة أو بسواها من الصدقات والتبرعات للأفراد وللمجتمع بشكل عام. وهي من التعاون على البر والتقوى التي أمر الله بها في قوله (وتعاونوا على البر والتقوى) وفي قوله (أنفقوا مما رزقناكم) وفي قوله (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون)، وذلك لإدراكهم أنهم مسؤولون أمام الله يوم القيامة عن هذا المال من أين اكتسبوه وفيم أنفقوه، قال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع" ذكر منها "وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه"، ولذا فقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة في الإنفاق العام للمجتمع.

ويوضح د. العسكر أن أوجه الإنفاق لا تكون بالصدقة فقط وإنما هناك طرق أخرى كثيرة تفرضها طبيعة العصر، ففي عصر الصحابة مثلاً قام سيدنا أبو طلحة بإيقاف بئر وبستان لسقيا الناس، وقام سيدنا عثمان بتجهيز جيش المسلمين في غزوة تبوك.

وهكذا فان رجال الأعمال والشركات الخاصة في المجتمع المسلم دورها كبير ومسؤوليتها عظيمة في خدمة الوطن والمواطن، والبذل السخي لخدمة المجتمع الذي أول من يستفيد من رقيه وتطوره وأمنه وثقافته هو التاجر نفسه قبل غيره.

المسؤولية.. تربية وتعليم

إذاً.. هل نخطئ حين نعيب على الكبارعدم قيامهم بواجبات المسؤولية الاجتماعية في مجتمعنا ونحن لم نعلمهم أبجدياتها ونلزمهم بتنفيذها مذ كانوا صغاراً؟

ترى وجهة النظر التربوية أن غرس مفهوم المسؤولية الاجتماعية لدى الفرد تبدأ منذ الصغر، وهي من مهام التربية والتعليم، ومن مهام المناهج المدرسية وطرق التدريس، باعتبارها شجرة يبذر غرسها منذ الصغر لتطرح ثمارها في الكبر.

هذا ما تقوله الأستاذة هدى بنت علي العبيد الله الحمود المتخصصة في المناهج وطرق التدريس والمشرفة المركزية بالإدارة العامة للتوعية الإسلامية، وهي عضو في مجلس الغرف التجارية النسائي، ترى ان عملية ترسيخ المفاهيم الأصيلة في الأجيال المقبلة تعد عملية جد مهمة تقوم بها مصادر متعددة، ومن أهم هذه المصادر مناهج التعليم؛ لذا فإنه من الضرورة بمكان أن تتم إعادة بناء مناهجنا الدراسية الحالية وترتيبها لاستيعاب مفهومي المسؤولية والشعور بالمواطنة وغيرها من المفاهيم الإسلامية العظيمة، وذلك وفق أطر محددة تجملها الحمود بعدة نقاط منها: التأكيد الدائم على أن الشعور بالمسؤولية الجماعية، والإحساس بالمواطنة واجب شرعي أصيل دعا إليه الدين الإسلامي في كثير من المواضع لكونه أساساً مهماً من أسس التعاون، والربط بين ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية من توجيهات أصيلة وبين الممارسات الإجرائية اليومية لسلوك المواطنة والشعور بالمسؤولية من خلال المناهج الدراسية.

وكذلك توجيه الخطاب بأسلوب مباشر للناشئة من خلال المناهج وتوجيههم لأهمية هذين المفهومين عن طريق البرامج التدريبية، وحلقات النقاش والحوار المفتوح الذي يعينهم على معرفة السلوكيات اليومية التي تعبر عن هذه المفاهيم كالحفاظ على مقدرات الوطن، وأداء الموظفين لواجباتهم وقيامهم بمسؤولياتهم نحو المواطنين.

وتشير الحمود الى نقطة أخرى يجب توضيحها فمثلاً عند التطرق لمواضيع الزكاة والمصارف المالية لابد من الإشارة إلى طرق توظيف رؤوس الأموال واستغلال الثروات بالطرق الإيجابية المشروعة، وكيف أنه يجب شرعاً على الأغنياء توفير فرص العمل الملائمة للشباب من خلال عرض نماذج داعمة لهذا التوجيه من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وما كانوا يبذلونه من مال في سبيل إعانة المحتاجين ومد يد العون لأفراد مجتمعهم.

وللوصول إلى ممارسة فاعلة للمسؤولية الاجتماعية في مجتمعنا تقترح الحمود تضمين المناهج والكتب الدراسية لأسس بناء خطط المشاريع الصغيرة، ومشاريع الأسر المنتجة والحث على الإفادة من التجارب التجارية العالمية والانتفاع بوسائل التقنية الحديثة للتواصل مع ما في العالم من تجارب تجارية مثرية تفتح للأجيال آفاقاً مستقبلية.

وتضيف الحمود مقترحاً آخر وهو القيام بعمل الدراسات المسحية الدقيقة لحصر احتياجات سوق العمل الحالية، وبلورتها على هيئة مشاريع مستقبلية تطرح في المناهج الدراسية، كما تطرح أمام رجال الأعمال وسيدات الأعمال بالتنسيق مع الجهات المعنية بذلك مثل وزارة العمل والغرف التجارية بالمملكة العربية السعودية على اعتبار أن ذلك واجب وطني أصيل يحاسب عليه أصحاب رؤوس الأموال ويحكم من خلاله على ما يستحقونه من تسهيلات من الجهات الحكومية المعنية.

دور الأنظمة.. ومركزالحوار

من جهة أخرى يؤيد د. معدي بن محمد آل مذهب أستاذ الإدارة المشارك بكلية إدارة الأعمال بجامعة الملك سعود أهمية دور التربية والأسرة في تنمية ارتباط الفرد بمفهوميّ "المواطنة والمسؤولية الاجتماعية" فهي برأيه حجر الأساس في تربية وإعداد مواطنين صالحين، كما تلعب المدرسة دورا مهما في هذا الجانب من خلال مقرر التربية الوطنية التي لا يعتقد أنها تتطرق إلى هذا الموضوع بمفهومه العلمي. ويفضل د.معدي أيضا أن تدرج مادة خاصة بمفهوم الأخلاقيات والمسؤولية الاجتماعية كمتطلب جامعي مثله مثل مقررات اللغة العربية والثقافة الإسلامية التي يدرسها طلاب وطالبات الجامعات في المملكة، فهولا يظن أن هناك تخصصاً لا يشتمل على جوانب تتعلق بهذا الموضوع، ومع ذلك فهو منسي في مناهجنا الجامعية.

ويؤكد أن المنظمات التي تعطي شهادات الاعتراف الأكاديمي في الجامعات لا تعترف بالبرامج الأكاديمية في مجال الإدارة، خاصة على مستوى الدراسات العليا، ما لم تتضمن مناهجها مقررا يعني بالأخلاقيات والمسؤولية الاجتماعية (Corporate Social Responsiblity)، فالجامعات عادة هي المصدر الأساس لشركات القطاع الخاص في الاستقطاب والتوظيف، ويساهم هؤلاء الخريجون إذا تولوا مناصب إدارية بهذه الشركات في عملية وضع السياسات وصنع القرارات التي قد تتعلق بالمجتمع.

ويورد د. معدي خير مثال على ذلك هو مديرو التوظيف الذين يسهمون اجتماعيا في مشكلة حل البطالة عندما يؤمنون بدور شركاتهم الاجتماعي ويؤمنون بقدرة الشاب السعودي وتحمله للمسؤولية من خلال المحاولات الجادة لسعودة الوظائف بالقطاع الخاص.

ويرى د.معدي انه يمكن لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني للحوار، أو أي جهة أخرى، أن تنظم مؤتمرات وندوات وورش عمل حول هذا الموضوع حتى تنتشر ثقافة المواطنة والمسؤولية الاجتماعية، ولعله يكون موضوع دراسة جيدة سيستفيد منها المجتمع لو أجرى المركز دراسة حول المواطنة والمسؤولية الاجتماعية في المملكة.

الإصلاح.. والمسؤولية

وعن مستوى وعي الأفراد بمفهوم المواطنة والمسؤولية الاجتماعية في مجتمعنا السعودي حالياً يرى د. معدي صعوبة الحكم على هذا المستوى دون توافر دراسات وإحصاءات تعزز عملية الحكم، إلا أنه يشير من خلال الملاحظات والمشاهدات الشخصية بأن مستوى المسؤولية الاجتماعية والمواطنة على المستوى الفردي يؤثر عليهما السن والمستوى التعليمي، والدين، حيث يعتقد أنه كلما زاد السن وازداد مستوى التعليم وقوة الإيمان وصلاح العقيدة، زاد الإحساس والعمل بمفهومي المواطنة والمسؤولية الاجتماعية، ويذكر أن هناك بعض المؤشرات التي يمكن من خلالها الحكم على ممارستهما، منها على سبيل المثال لا الحصر، الانخراط في العمل الجماعي والتطوعي، والتفكير في قضايا المجتمع والمشاركة في التوعية بها والمساهمة في حلها، والإحساس بالمسؤولية الفردية والاجتماعية تجاه النفس والأسرة والمجتمع ككل، وكذلك إيثار المصلحة العامة على الخاصة فعلا لا قول.

ويقول د. معدي ان هناك مقولة نُسبت إلى رئيس أمريكي سابق وهو جون كندي، مع أن البعض يقول أنها لجبران خليل جبران، مفادها أن على المواطن أن يسأل نفسه "ما ذا قدم لوطنه، وليس ماذا قدم الوطن له".

أما على مستوى منشآت القطاع الخاص فيرى د. معدي أن مستوى المسؤولية الاجتماعية لنسبة كبيرة من الشركات مازال متدنياً جدا، خاصة إذا علمنا أنه لا يوجد ضرائب على دخل هذه الشركات، ما عدا الزكاة الشرعية، كما هو معمول به في دول أخرى. وتنحصر أغلب المساهمات الاجتماعية في التبرعات المادية المتبعثرة ورعاية المنتديات والمؤتمرات التي تُحتسب ضمن بنود الدعاية والترويج لهذه الشركات.

ويضيف: بأن ما كانت تقوم به شركة ارامكو من بناء مدراس، وما تقوم به بعض الشركات من تعليم وتدريب مجاني أو بناء مستوصفات ومستشفيات يدخل ضمن مسؤوليتها الاجتماعية.

ويشير د. معدي إلى أنه ورغم أهمية المساهمات المادية للقطاع الخاص، إلا أن الاهتمام بالأمور البيئية خاصة في المصانع وما تخلفه من تلوث وأضرار بيئية على الفرد والهواء وبقية الكائنات الحية وكذلك جودة المنتجات يُعّد أهم بكثير من المساهمات المادية، فالأضرار البيئية قد لا تظهر في الوقت القريب وعادة ما يكون ضررها أعم وأشمل على المدى البعيد وعلى مستوى المجتمع ككل. ويجب أن تُعطى الشركات التي تساهم وتتميز في اهتمامها بالمسؤولية الاجتماعية أولوية في المناقصات وغيرها من الأمور التي يميزها عن غيرها من تلك الشركات التي تأخذ دون عطاء، وتزداد غنىً على غناها دون أن تقوم حتى بالحد الأدنى من ما يفرضه عليها النظام، ناهيك عن أن تقدم شيئا للمجتمع، كما أن إحداث جائزة للشركات المتميزة في مسؤوليتها الاجتماعية، على غرار جائزة سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز للسعودة، سيكون حافزا لبعض الشركات للتنافس الشريف في هذا المجال.

ويؤكد د. آل مذهب قوة العلاقة الرابطة بين (الإصلاح الاقتصادي) وبين (المواطنة والمسؤولية الاجتماعية)، فكلما زاد مستوى الإحساس بالمواطنة والمسؤولية الاجتماعية وتفعيل ذلك من قبل الأفراد كلما ازدهر الاقتصاد، سواء من حيث الإنتاجية أو المحافظة على المكتسبات وتكافؤ الفرص بين المواطنين والاعتماد على الكفاءة، والعكس صحيح. ولعل إنتاجية الموظفين خاصة في القطاع العام خير مثال يمكن أن يذكر في هذا السياق لتجسيد هذه العلاقة، حيث تقل مستويات الإنتاجية في الدول النامية ويتأثر الاقتصاد سلبا نتيجة انخفاض مستوى المسؤولية الاجتماعية والمواطنة الحقيقية. ويزداد الاقتصاد تأثرا بالظواهر السلبية لسلوكيات الأفراد كما هو حاصل في التستر في الأمور التجارية وشؤون العمالة، وغسيل الأموال، والتجارة في المخدرات وما إلى ذلك من المسائل، وما مشكلات المساهمات غير النظامية وخداع بعض الأفراد أو الشركات لمجموعات من المواطنين، والوقوع في فخ النصب والاحتيال رغم التحذيرات الحكومية إلا مثالا آخر على نقص المسؤولية الاجتماعية والإحساس بالمسؤولية والمواطنة وجميعها تؤثر على الاقتصاد.

ويوضح د. معدي إلى أننا مهما سنَّينا من الأنظمة وفصّلنا في اللوائح، وأنشأنا من الأجهزة الإدارية، فسيبقى دور المواطن والمنشآت الخاصة مهماً عندما يتعلق الأمر بالمسؤولية الاجتماعية والمواطنة والقيام بدور في بناء المجتمع. لأن المواطن هو الغاية والوسيلة في نفس الوقت، وكلنا مسؤولون اجتماعيا، لكن لا أحد منا مسؤول نظاما إذا لم يقم بدوره الاجتماعي.
http://www.alriyadh.com/230929

مقال
لمشاهدة ملفات الدراسات، نأمل تسجيل الدخول, أو تسجيل عضوية جديدة
بواسطة:
باحث ومهتم بالمسؤولية الاجتماعية
عضو منذ: 21/08/2016
عدد المشاركات: 160