الخميس 16 شوال 1445 الموافق أبريل 25, 2024
 

المسئولية الاجتماعية فلسفياً وثقافياً:

الأربعاء, 7 سبتمبر, 2016

إعداد: بلسم المغذوي

.
تعني المسئولية بصفة عامة مساءلة محتكمة إلى معيار.
عندما تكون المساءلة خارجية أي أن مصدرها خارج الذات يكون الحديث عن مسئولية قانونية.
وعندما تكون المساءلة داخلياً أي أن مصدرها داخل الذات ولكن وفق معايير أخلاقية يكون الحديث عن مساءلة أخلاقية.
أما عندما تكون مساءلة الذات في مواجهة الذات, واحتكامها إلى معيار استيفاء الذات (أي فهم الجماعة التي تنتمي إليها وتهتم بها وتشاركها) فإن الحديث يكون عن المسئولية الاجتماعية.
وبالتالي فإن المسئولية الاجتماعية تنتمي في صميمها إلى المسئولية الأخلاقية ومصدر معيارها داخلي من الذات (محمد, 2001).
وقديماً تناول كل من أرسطو وأفلاطون موضوع المسئولية الاجتماعية وحيوية الدور الذي تستطيع أن تقوم به في حياة الفرد والمجتمع, حيث تناول أفلاطون إنشاء المجتمع المثالي لكي تتحدد صفات الفرد المثالي, وتناول أرسطو إنشاء الفرد الفاضل وسلوكه الأخلاقي وبدلاً من التركيز على التناقضات بين الأنانية والإيثار, ركز أرسطو على دور الفرد في المجتمع مع الآخرين وعلى العلاقة التي يمكن أن تشيع نوع ضد العدالة الشاملة.
وقد ارتبط مفهوم المسئولية تاريخياً بفكرة العدل والأخلاق والمساواة والنظام الإجتماعي, حيث يرى ماكوين Mc Meon أن مفهوم المسئولية ارتبط في العديد من الدول الأوروبية بالتكيف مع الوضع القائم وبما يأمر به الملك أو الإمبراطور حتى يكون مستحقاً للثقة ويكون عرضة للمحاسبة الأخلاقية.
و يمكن القول بأن ظهور المسئولية الاجتماعية قد بدأ يشيع وينتشر في الدول الغربية قد تزامن مع ما شهدته هذه الدول من تطورات اقتصادية واجتماعية وصناعية وارتبط بها (منصور, 2006)
ويعرف ديويDewey المسئولية على أنها نزوع الفرد إلى التفكير المسبق في النتائج المحتملة لأي خطوة مقترحة وقبول عن هذه النتائج عن قصد.
ويعتبر سارتر Sarter من أبرز الفلاسفة الوجوديين الذين ربطوا المسؤولية بالحرية, وأن الإنسان طالما أنه حر فهو يتحمل مسؤولية أفعاله مسئولية كاملة لأنه بدون المسئولية تصبح الحرية فوضى ودمار على المجتمع, لذلك الحرية الكاملة تستتبع المسئولية الكاملة.
كذلك فإن هناك فلاسفة ربطوا المسئولية بمبدأ الإلزام والإلتزام, فبعضهم يرى أن مصدر الإلزام الخارجي يرتبط بالمسئولية, أي أن الفرد الذي يقوم بسلوك معين يتحمل نتائجه أمام المجتمع وفق القوانين المكتوبة أو غير المكتوبة ( العادات والتقاليد) أو قد تكون المسئولية أمام الله عن تنفيذ التكليفات والأوامر الإلهية طالما أنه حر, أما الإلتزام فهو نابع من داخل الفرد دون أي قيود ولا تكون مفروضة عليه وقائمة على الإختيار الحر الصادق من الخارج وهي تعني مسئولية ذاتية وأخلاقية (قاسم, 2008).
ويعرف معجم الفلسفة وعلم النفس " بالدوين " المسئولية الاجتماعية بأنها تعني وعي الفرد المرتبط بأساس معرفي بضرورة سلوكه تطوعياً نحو الجماعة, وله تأثيره في تحديد مجرى الأحداث التالية.
ويرى بيرمان أن المسئولية الاجتماعية تتضمن عدة جوانب وأبعاد تعتبر بمثابة خصائص وصفات للشخص المسئول اجتماعياً وهذه الجوانب والأبعاد تتمثل في إحساس الفرد أن له جذوراً داخل المنظومة الاجتماعية الأكبر, الوعي بالطرق التي يمكن للفرد أن يتأثر بها ويستطيع أن يؤثر بها على عالمه الاجتماعي والسياسي, الشعور بخبرة الإحساس بالصلة والاعتماد المتبادل بينه وبين الآخرين, الاقتناع والتسليم بأن حدود هويته لا تقتصر عليه وحده كفرد وإنما تتسع للآخرين فالآخرين جزء من الذات (منصور, 2006).
هذا ويعرف سيد عثمان (1966) المسئولية الاجتماعية بأنها تكوين ذاتي خاص نحو الجماعة أو الجماعات التي ينتمي إليها الفرد, فالفرد مسئول ذاتياً عن الجماعة, والمعنى النفسي للمصطلح يعني أنه مسئول أمام ذاته وأنه مسئول عن الجماعة أمام صورة الجماعة المنعكسة في ذاته ( نقلاً عن محمد, 2001).
وللدين الإسلامي القول الفصل في تنمية المسئولية الاجتماعية الشاملة المتكاملة المتوازنة ففي الحديث الشريف: " كلكم راع ومسئول عن رعيته فالإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته " (صحيح البخاري, 2419).
أبعاد المسئولية الاجتماعية :
1. المشاركة الإيجابية: عن طريق مشاركة الآخرين في مواجهة المشكلات العامة التي تضم وتربط بينهم جميعاً.
2. الاهتمام الإيجابي البناء: وهذا يتعلق بالطريقة التي نحيا ونتعامل بها مع بعضنا البعض.
3. الضبط الداخلي: فمن شأن توجيه الأوامر إلى الذات أن يحقق مبدأ أو هدف.
4. الانضباط السلوكي: فالفرد المسئول نفسياً واجتماعياً هو الذي ينجح في ضبط سلوكه حيث يقوم باشباع حاجاته الخاصة مع السماح للآخرين باشباع حاجاتهم بسلام.
5. ممارسة الإمكانيات الذاتية: فتقدير الفرد لذاته يزداد عندما يجد إحساساً بالانتماء وأنه موضع تقبل, وتقوم المسئولية هنا بدور الضبط والتوجيه.
6. إرادة التغير المجتمعي البناء: فالتربية في فترات التغير الاجتماعي تتحمل مسئولية إكساب الأفراد إدراكاً جديداً للأعباء والمسئوليات التنموية والتطويرية ( منصور, 2006).
عناصر المسئولية الاجتماعية:
1. الاهتمام: وهي رابطة عاطفية بين الفرد والجماعة التي ينتمي إليها.
2. الفهم: بمعنى فهم الفرد للجماعة والمغزى الاجتماعي لأي فعل يصدر عنه.
3. المشاركة: أي تقبل الفرد لأدواره الاجتماعية وتنفيذ ما عليه من عمل والمشاركة الموجهة الناقدة (الخراشي,2004).
التربية والمسئولية الاجتماعية:
تقتضي ضرورات المجتمع المعاصر أن يشارك أفراده ومؤسساته الخاصة بتقديم خدمات اجتماعية متعددة كمشاركة فاعلة منهم في بناء المجتمع وتنميته انطلاقاً من مبدأ المواطنة والمسئولية الاجتماعية, وتعتبر المسئولية الاجتماعية بمثابة عقد اجتماعي ما بين المنظمات والمجتمع, والملاحظ أن هناك علاقة قوية بين الإصلاح التعليمي وكل من المواطنة والمسئولية الاجتماعية, فكلما زاد التعليم وانتشر في المجتمع زاد مستوى الإحساس بالمواطنة والمسئولية الاجتماعية وزاد الأمن الاجتماعي, والعكس صحيح.
وتتمثل غاية التربية في تكوين الإنسان الواعي الممارس لحقوقه وواجباته في إطار الجماعة التي ينتمي إليها, كما تتمثل في العمل المبرمج من أجل أن تنمي لديه باستمرار ومنذ مراحله الأولى القدرات والطاقات التي تؤهله مستقبلاً لحماية خصوصياته وهويته وممارسة حقوقه وواجباته بكل وعي ومسئولية ليكون مؤهلاً للتواصل الإيجابي مع محيطه.
ومن وجهة النظر التربوية فإن غرس مفهوم المسئولية الاجتماعية لدى الفرد تبدأ منذ الصغر وهي من مها م التربية والتعليم ومن مهام المناهج الدراسية وطرائق التدريس ( البرواري, 2010).
فالتربية تسعى إلى إكساب الأفراد القدرة على المبادرة وإظهار الميل إلى المشاركة والتعاون في المواقف الجديدة التي تتعرض لها الجماعة, وتيسير سبل التفاعل مع نظم المجتمع, كما أنها تقوم بتعليم الأفراد واجبات الأدوار الجديدة التي يفرضها العصر ومستحدثاته من خلال القيام بمسئوليات الأعمال والوظائف واحترام آراء الآخرين وتحرير الفرد من الخرافات والتقاليد البالية ومشاركته في النشاطات الاقتصادية والاجتماعية (الحاج, 2013).
ومن الناحية التربوية فإن تعليم المسئولية الاجتماعية يتضمن تنمية المهارات والأخلاقيات والشخصية الاجتماعية والطريقة التي يتعين على الفرد أن يعيش بها مع الآخرين وتنمية وعيه بدوره في تحقيق الصالح العام (منصور, 2006).
وتقوم المدرسة بدور فعال في التربية على المسئولية الاجتماعية كونها تمثل جزءاً من المجتمع الأكبر, وعلاقاتها مع النظام الاجتماعي وقوانين المجتمع وثيقة الصلة, وبهذا تصبح المدرسة مركز اشعاع ثقافي وتثقيفي في مجتمعها المحدود والمجتمع الأكبر من حولها كما تصبح مركزاً أساسياً لتنمية المجتمع وتقدمه وتطوره (الرشدان, 2004)
لكن من المهم التنبه إلى أن التربية على المسئولية الاجتماعية لا تختص بها مؤسسة تربوية دون أخرى, فالمسئولية الاجتماعية قيمة تبدأ التربية عليها في الأسرة منذ سنوات الطفولة الأولى, حين تعلمه المحافظة على مكونات البيئة ومسئوليته تجاه الآخرين وتجاه المجتمع, وتمتد التربية على المسئولية الاجتماعية بعد ذلك إلى المسجد والمدرسة وجماعة الرفاق والجامعة وجميع المؤسسات بغرض ترسيخ هذا المفهوم لدى أفراد المجتمع.
واقع المسئولية الاجتماعية في المدرسة:
يعكس واقع المسئولية الاجتماعية في المدارس قصوراً واضحاً في نشر هذه الثقافة والعمل بها وتطبيقها, وعموماً تنتشر مظاهر اللامسئولية الاجتماعية في مدارس التعليم العام, وذلك على مستوى الإدارة والمعلمين والطلاب, ومن الأمثلة على ذلك هدر مكونات البيئة كعدم ترشيد استهلاك الكهرباء والماء وخدمات البنية التحتية, وسوء استخدام أو اتلاف الأجهزة والأدوات والمرافق العامة, وتدني مستوى النظافة العام بسبب ضعف الإحساس بالانتماء والمسئولية, وتدني مستوى الثقافة الصحية في المقاصف المدرسية, وهدر الورق والكتب المدرسية, وضعف اتجاه المسئولية الاجتماعية نحو تقبل وتعيين ذوي الاحتياجات الخاصة في بعض الوظائف المناسبة لهم.
إن واقع المسئولية الاجتماعية في مدارس التعليم العام لا تتجاوز ممارسات فردية تمردت على المركزية, وبضعة مشاريع قد لاتثير اهتمام ومشاركة الطلاب وتعتمد على الإلزام أكثر من الإلتزام, بينما يظل التعليم منصباً على الأهداف المعرفية بعيداً عن التفاعل مع المجتمع, ولذا لا يمكن القول بأنها باتت ثقافة منتشرة أو من أولويات التربية التي تؤمن بها المدرسة وتسعى لتحقيقها.
مقترحات لتفعيل المسئولية الاجتماعية في المدرسة :
1) تضمين مناهج التعليم العام بمفاهيم وقيم ونشاطات ذات صلة بتحمل المسئولية الاجتماعية, وربط الدروس بالأهداف الاجتماعية وعدم اقتصارها على الأهداف المعرفية أو الوجدانية فقط, حيث أن التربية السليمة تسعى لنمو شخصية إنسانية متكاملة من جميع الجوانب.
2) الحرص على التكامل بين المدرسة والأسرة حيث أن نقطة الانطلاق في التربية على المسئولية الاجتماعية تبدأ من الأسرة حسب قدرات الطالب ومراحلهم العمرية مع التنوع في الأساليب التربوية ( المحمدي, 2013)
3) زيادة مشاركة جميع الطلاب في برامج المسئولية الاجتماعية خاصة ذوي السلوكيات السلبية كالعدوان حيث أثبتت الدراسات وجود علاقة ارتباطية عكسية بين درجات المسئولية الاجتماعية والسلوك العدواني (المعنا,2012).
4) الاهتمام ببرامج المسئولية الاجتماعية الموجهة نحو خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة وتوظيفهم والاستفادة من قدراتهم في تنمية المشاريع المختلفة بما لا يؤثر على جودة العمل ( الحربي, 2004)
5) البعد عن التنفيذ الروتيني لمشاريع المسئولية الاجتماعية, ووضع خطط مناسبة لبرامج المسئولية الاجتماعية بحيث تكون مكتملة العناصر تبدأ بتكوين روابط عاطفية بين الطالب ومجتمعه وتنمية الاهتمام بالبيئة والمجتمع وتعزيز قيم المواطنة والانتماء, وتعميق الفهم الواعي لهذه المشكلات ومن ثم الانتقال للتفاعل والمشاركة البناءة والناقدة من أجل حلها.
6) الحرص على تضافر عمل المؤسسات التربوية والاجتماعية وتكامل جهودها والتنسيق قدر الإمكان فيما بينها من أجل تنمية المسئولية الاجتماعية.
7) منح برامج المسئولية الاجتماعية مزيداً من المرونة الإدارية واللا مركزية, وتوفير الدعم الإداري والفني والمالي في سبيل نجاحها.
8) الاستفادة من تجارب الشركات والمنظمات الصناعية والتجارية في مجال المسئولية الاجتماعية وعقد اتفاقيات التعاون معها لتبادل الخبرات في هذا المجال.
9) الاستفادة من دور مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الوعي حول قضايا المجتمع وتعزيز قيم المسئولية والمواطنة وتوفير قواعد بيانات عن احتياجات المجتمع والمشاركة الايجابية في حلها.
المراجع:
البخاري ( 1414هـ). صحيح البخاري. دار ابن كثير, دمشق.
البرواري, نزار عبد المجيد (2010). تكامل دور المؤسسات المجتمعية في ترسيخ قيم التعليم والمواطنة والرفاهية للجميع. المؤتمر العربي الثالث (الجامعات العربية : التحديات والآفاق), المنظمة العربية للتنمية الإدارية, مصر, ص ص 735-756
الحاج, أحمد علي (2013). أصول التربية. (ط 1), دار المناهج للنشر والتوزيع: عمان, الأردن.
الحربي, نيفين بنت حامد بن سالم (2004). المسئولية الاجتماعية لمدارس التعليم الأهلي بمدينة مكة المكرمة كما يدركها ملاك وإداريو المدارس الاهلية وأولياء الأمور. رسالة ماجستير غير منشورة, جامعة أم القرى, مكة المكرمة.
الخراشي, وليد بن عبدالعزيز بن سعد (2004). دور الأنشطة الطلابية في تنمية المسئولية الاجتماعية دراسة ميدانية على عينة مختارة من طلاب جامعة الملك سعود. رسالة ماجستير غير منشورة, جامعة الملك سعود, السعودية.
الرشدان,عبدالله (2004) .علم اجتماع التربية (ط1).عمان, الأردن: دار الشروق للنشر والتوزيع.
العجمي, محمد حسنين (د.ت). التربية وقضايا العصر. (ط1), (د,ن).
قاسم, جميل حمد ( 2008 ). فعالية برنامج إرشادي لتنمية المسئولية الاجتماعية لدى طلاب المرحلة الثانوية. رسالة ماجستير غير منشورة, كلية التربية, الجامعة الإسلامية, غزة.
محمد, صلاح الدين عبدالقادر (2001). تفسير وتنمية المسئولية الاجتماعية دراسات ميدانية. مجلة القراءة والمعرفة, مصر, ع (8), ص ص 151-202
المحمدي, فيصل بن مسعد بن سعيد (3013). دور الأسرة المسلمة في تربية الأولاد على تحمل المسئولية. رسالة ماجستير غير منشورة, الجامعة الإسلامية, المدينة المنورة.
المعنا, طلال بن محمد سويلم (2012). مدى فاعلية برنامج إرشادي في تنمية المسئولية الاجتماعية للحد من السلوك العدواني لدى طلاب المرحلة الثانوية. رسالة ماجستير غير منشورة, كلية التربية, جامعة طيبة.
منصور, سهى بدوي محمد (2006) .المعاملة الوالدية كما يدركها الأبناء وعلاقتها بتحمل المسئولية الاجتماعية لدى طلاب وطالبات المرحلة الثانوية. أطروحة دكتوراة غير منشورة, معهد الدراسات العليا للطفولة, جامعة عين شمس, مصر.
.
http://educationtaibah.blogspot.com/2015/11/blog-post_55.html

مقال
لمشاهدة ملفات الدراسات، نأمل تسجيل الدخول, أو تسجيل عضوية جديدة
بواسطة:
باحث ومهتم بالمسؤولية الاجتماعية
عضو منذ: 21/08/2016
عدد المشاركات: 160