الأربعاء 15 شوال 1445 الموافق أبريل 24, 2024
 

المسؤولية الاجتماعية .. مقصد وطني !

الأربعاء, 7 سبتمبر, 2016

تردد في - الآونة الأخيرة - على مسامعنا عبارة " المسؤولية الاجتماعية " , وهي تعني : دور الأفراد , والقطاع الخاص , والمجتمع المدني , والتشريعات الحكومية في المساهمة في عملية التنمية المستدامة , من خلال غرز القيم الأخلاقية , والإنسانية في المجتمع , والمساهمة في تحسين قطاعات مختلفة , مثل : التعليم , والصحة , والبيئة .
إلا أن ملامح تلك العبارة لم تتحدد بعد بشكل واضح , وخذ على ذلك مثالا : فبعض الشركات , والمؤسسات , والبنوك التي دعمتها الدولة بشكل - مادي ومعنوي - لسنوات طويلة , في ظل الازدهار الاقتصادي , والاستقرار المالي , والأنظمة المحفزة , - خصوصا - في عدم فرض الضرائب , قد تضاعفت أرباحها الضخمة , وانتفخت جيوبها , وفاضت من العوائد المادية , إلا أنها - في المقابل - لم تقدم سوى الشيء اليسير للمجتمع , كتقديم تبرعات نقدية - بسيطة جدا - لبعض الجمعيات الخيرية . بل إن نسبة الشركات المسجلة رسميا في المملكة , والعاملة فيها , والتي تطبق مبدأ - المسؤولية الاجتماعية - تصل إلى " 21% " - فقط - . أما باقي المؤسسات فلم تنذر نفسها للأعمال الاجتماعية , بل لا تزال في حدود الإعراب عن النوايا الحسنة - فقط - , وأخذت في ذر الرماد في العيون . وأذكر جيدا , أن أحد البنوك المحلية رفض أن يتنازل عن قرض لرجل أمن استشهد في المواجهات مع الفئة الضالة , وقامت الجهة المعنية بالدفع للبنك وفاءا للشهيد , ولعائلته .
ولا يرقى الواقع الذي نعيشه - مع الأسف - إلى مفهوم " المسؤولية الاجتماعية " عمليا , ولا إلى مستوى الرصيد من الإرث الإنساني , والديني , والقيمي , فهو دور غير ملموس , إذ لا تعدو كونها محاولات قليلة . ويغيب هذا المفهوم لدينا بشكل واضح , إما لقلة الوعي فيما يتعلق بثقافة " المسؤولية الاجتماعية " , وإما لخلط مفهوم " المسؤولية الاجتماعية " بالتبرعات الخيرية , وأنها تدخل في مفهوم الزكوات , والصدقات . وهذا فهم خاطئ , " فالمسؤولية الاجتماعية " هي التزامات مستحقة على القطاع الخاص للمجتمع الذي تعمل فيه , لا علاقة له بمفهوم الإنفاق .
ومن أجل التأكيد على مفهوم المسؤولية الاجتماعية لا بد من إدراج إدراجها كمفهوم إنساني في مناهج التعليم , وهو التوجه الحالي , والأول من نوعه على مستوى الجامعات السعودية - حسب تقديري - ؛ للبدأ مرحليا في إدراج مادة " المسؤولية الاجتماعية " ؛ من أجل فتح أبواب جديدة نحو قضايا مهمة , كتثقيف الإنسان , وتوسيع مداركه , وعرض التجارب الناضجة , والعلمية ؛ لتعزيز مفهوم " المسؤولية الاجتماعية " لدى الجميع .
أحسب أن " المسؤولية الاجتماعية " باتت عنصرا مهما من عناصر الارتقاء بالنهضة الاقتصادية في المملكة , فهي رسالة صدق ,وخدمة إنسانية , تهدف إلى تحسين حياة الناس . ولذلك فوائد كثيرة , منها : تعزيز مكانة الشركات , والمؤسسات , وغيرهما لدى الجهات الرسمية , وتعزيز دورها للحفاظ على عملائها , وجذب عملاء آخرين , والحفاظ على موظفيها المتميزين , وبناء الثقة بينها , وبينهم لضمان مستقبل أفضل , وتوطيد العلاقات بينها , وبين المجتمع .
إن الوعي المرتبط بمفهوم " المسؤولية الاجتماعية " لدى جميع أفراد المجتمع بمختلف طبقاته , وشرائحه , وطبيعة تكوين مؤسساته , والتأكيد على أهمية الشراكة الفعالة بين القطاعين - العام والخاص - ؛ للنهوض بمستوى المسؤولية الاجتماعية , والارتقاء بمستوى الأداء مطالب مهمة - ولا شك - . ولا يكون ذلك إلا بوضع استراتيجية وطنية " للمسؤولية الاجتماعية " تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية ؛ لإعداد البحوث , والدراسات الخاصة ؛ من أجل دراسة احتياج المجتمع . كما نتطلع إلى مبادرة تشمل برامج , وندوات تثقيفية موجهة إلى كافة شرائح المجتمع توضح لهم مفهوم " المسؤولية الاجتماعية " , والدور الذي تلعبه في تحقيق الاستقرار , واعتبارها استثمارا اجتماعيا ناجحا , ومساهمة مباشرة لمستقبل الوطن , من خلال بناء المجتمعات , وصناعة الإنسان . ومن صور ذلك : محاربة الأمية , ونشر العلم , وتنمية الموارد البشرية عن طريق تدريب الشباب , وتأهيلهم , ودعم البحث العلمي , وتوفير بيئة عمل ملائمة , والمساهمة في ترسيخ الهوية الوطنية , والارتقاء بمستوى المعيشة عن طريق مكافحة الفقر , ومواكبة التطورات الاقتصادية , والتقنية .
إن من المهم الإشارة - قبل نهاية المقالة - إلى مبادرة الرجل الثري في العالم " بيل جيتس " , والذي تنازل عن جلّ ثروته للمؤسسة الخيرية التي أنشأها , والتي تستهدف مواجهة الفقر , والمرض في العالم الفقير , والإشادة بما حظيت به تلك المؤسسة من مساندة من أصدقاءه أعضاء نادي المليارديرات , وفي مقدمتهم " ورن بافت " , الذي قدم " 37 " مليار دولار دعما للمؤسسة .
كم نحتاج لتلك الجهود اليوم في ظل غياب مفهوم " المسؤولية الاجتماعية " في مجتمعنا , - لاسيما - وأنها تقتضي الذهاب إلى أبعد مما يطالب به النظام ؛ من أجل المساهمة في الصالح العام للمجتمع , حتى ينعم بالازدهار , والنمو الاجتماعي للأجيال القادمة , والسير نحو قضايا مهمة تشكل منعطفا حقيقيا في الحراك الاجتماعي النهضوي , والتنموي بمختلف تطبيقاته الفعلية على أرض الواقع ؛ لإحداث التغيير الإيجابي .
سعد بن عبد القادر القويعي
drsasq@gmail.com
http://www.ajel.sa/opinions/1730596

مقال
لمشاهدة ملفات الدراسات، نأمل تسجيل الدخول, أو تسجيل عضوية جديدة
بواسطة:
باحث ومهتم بالمسؤولية الاجتماعية
عضو منذ: 21/08/2016
عدد المشاركات: 160