الخميس 16 شوال 1445 الموافق أبريل 25, 2024
 

مراعاة الظروف المناخية في الزراعة على مستوى العالم : بقلم جورجن فويجل *

الجمعة, 2 سبتمبر, 2016

هناك شيء قد لا تكون على دراية به؛ تسهم الزراعة والتغيرات في استخدام الأراضي بالفعل بنحو 25 في المائة من انبعاثات الغازات الدفيئة. تعد هذه إحصائية مهمة في ظل وجود تحديين مستعصيين يواجهان العالم الآن، وهما كيفية تحويل تعهدات اتفاقية باريس التاريخية بشأن تغير المناخ التي اعتمدت في كانون الأول (ديسمبر) الماضي إلى واقع ملموس، وكيفية توفير الغذاء لسكان العالم المتزايدة أعدادهم.

وهناك بالفعل أكثر من مليار شخص على كوكب الأرض يعانون سوء التغذية حاليا، ويحتاج العالم إلى زيادة إنتاجه من الغذاء بواقع 50 في المائة على الأقل بحلول عام 2050 لإطعام نحو تسعة مليارات نسمة. ويتعين علينا تحقيق ذلك مع القيام بتنفيذ اتفاقية باريس لإبقاء ارتفاع درجة حرارة الأرض عند مستوى يقل كثيرا عن درجتين مئويتين، ودفع الجهود للحد من مواصلة ارتفاع درجة الحرارة عند 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.

وفي قارة مثل إفريقيا، نعرف بالفعل أن تغير المناخ يؤثر سلبا في المزارعين الذين يسعون إلى توفير الغذاء لأسرهم وكسب بعض الدخل. ولننظر فقط إلى غرب إفريقيا، حيث تتأثر المحاصيل بقصر مواسم الأمطار وعدم انتظامها وتزايد وتيرة وقوع الظواهر المناخية بالغة الشدة. ووفقا للتوقعات، فإن تغير المناخ يمكن أن يؤدي إلى خفض غلة المحاصيل بدرجة أكبر- بنسبة تصل إلى 25 في المائة في المستقبل.

ولمساعدة المزارعين في غرب إفريقيا على التكيُّف مع تغير المناخ، فإنهم يتعلمون فوائد "الزراعة المراعية للظروف المناخية"، وهي نهج متكامل يساعد المزارعين على زيادة إنتاجية المحاصيل وتعزيز قدرتهم على مجابهة آثار تغير المناخ والحد من انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة من الماشية والمحاصيل وتغيير استخدام الأراضي. ومن خلال برنامج تعزيز الإنتاجية الزراعية في غرب إفريقيا الذي يموله البنك الدولي، تعلم ما يقرب من ستة ملايين مزارع كيفية "التكيف مع تغير المناخ" من خلال استخدام 160 صنفا من المحاصيل المراعية لتغير المناخ التي تم تطويرها من خلال البرنامج - وهي خطوة أدت إلى تعزيز الإنتاجية بواقع 30 في المائة على الأقل. وبمساندة من البنك، تقوم 1.7 مليون أسرة منتجة للألبان في 18 ولاية هندية باعتماد ممارسات أفضل في تغذية وعلف أبقارها. وأدى استخدام الأعلاف الخضراء والحبوب المحلية والموسمية إلى تعزيز إنتاجية الألبان، والحد من تكاليف الإنتاج، وتقليل انبعاثات غاز الميثان بنحو 12 في المائة إلى جانب زيادة صافي الدخول اليومية بنحو 25 روبية لكل بقرة.

ويجني المزارعون الذين يعتمدون أسلوب الحراجة الزراعية محاصيل وفيرة بدون استخدام أسمدة مكلفة - كما في زامبيا حيث زادت غلة محاصيل الذرة التي تزرع تحت أشجار فيدهيربيا بواقع ثلاثة أمثال ما كان معتادا. وفي السنغال، ذبلت المحاصيل وانخفضت غلتها من جراء نقص هطول الأمطار خلال موسم الزراعة، ما أجبر المزارعين على إعادة بذر البذور سعيا لتعويض خسائرهم. ويقوم برنامج طارئ في إطار برنامج تعزيز الإنتاجية الزراعية في غرب إفريقيا بتقديم إعانات لمرة واحدة على بيع قرابة ألفي طن من بذور الذرة الصفراء والدخن والذرة البيضاء المعتمدة. وتنتج البذور المحسنة محاصيل ذات دورات نضوج أقصر ومقاومة أكبر للجفاف، ما يؤدي إلى ارتفاع غلة المحاصيل.

وفي آسيا، ساعدت تقنيات إنتاج الأرز بتعاقب الترطيب والتجفيف في فيتنام أكثر من 33 ألف مزارع على تعزيز إنتاجية المحاصيل بنسبة تصل إلى 10 في المائة. وحققت التقنيات هذه القفزة في الإنتاجية مع تقليل استخدام الأسمدة، وهو ما أدى إلى تقليص انبعاثات غازي الميثان وأكسيد النيتروز الناتجين من حقول الأرز.

نعلم أن هناك أيضا إدراكا متزايدا لدور قطاع الزراعة في المزيج العام للانبعاثات الذي يجب علينا خفضه عالميا لتحقيق الأهداف العالمية المحددة في باريس. وفي مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين، التزم 113 بلدا بتخفيض انبعاثات قطاع الزراعة في إطار مساهماتها المقررة المحددة وطنيا أو خطط العمل المحلية المعنية بتغير المناخ. وفي حين تتخذ الحكومات والعلماء والمزارعون على مستوى العالم خطوات لإنشاء نظام غذائي عالمي مستدام ومراع للظروف المناخية وتنفيذه على أرض الواقع، فإنه ما زال يتعين فعل المزيد.

ونعلم أنه بالنسبة لبلدان العالم الأشد فقرا ولاسيما التي تمولها المؤسسة الدولية للتنمية، وهي صندوقنا المعني بمساعدة البلدان الأكثر فقرا، تكون الزراعة المراعية للظروف المناخية بالغة الأهمية لمساعدة المزارعين على زيادة إنتاجية المحاصيل وتقليل خسائر ما بعد الحصاد، وبالتالي يتم توفير مزيد من الغذاء لمواجهة تغير المناخ.

وفي مختلف بلدان إفريقيا، يتم إعطاء الأولوية للتكيف في معظم الخطط الوطنية المعنية بالمناخ (المساهمات المقررة المحددة وطنيا) والمعدة لمؤتمر باريس. فعلى سبيل المثال، اشتملت مساهمات النيجر على إدارة الأراضي والغابات المستدامة، والزراعة المراعية للظروف المناخية مع التركيز بقوة على الأمن الغذائي والمزارع والمجتمعات الرعوية.

وأشير إلى ذلك أيضا بوضوح في كل من خطة العمل المناخية لإفريقيا التي أعدها البنك الدولي وكشف عنها النقاب في باريس، وخطة عملنا المعنية بالمناخ التي وضعت ما بعد اتفاقية باريس لرسم خطة عمل لمساعدة البلدان على تنفيذ ما قطعته من تعهدات في باريس.

إننا نعمل بالفعل في هذا الشأن. ففي وقت سابق من العام الجاري، وافق البنك على مشروع مساندة الزراعة المراعية للظروف المناخية في النيجر، وهو أول مشروع للبنك في إفريقيا يستهدف خصيصا تحقيق هذا النوع من الزراعة، كما هو مبين في خطة العمل المناخية لإفريقيا. وسيستفيد من المشروع بشكل مباشر نحو 500 ألف من المزارعين والرعاة المزارعين في 44 مجتمعا محليا. وشكل ذلك خطوة كبيرة. ونأمل أن يمهد هذا المشروع الطريق لإقامة نظام غذائي يكون أكثر مراعاة للظروف المناخية في النيجر وكذلك في البلدان الأخرى التي تمولها المؤسسة الدولية للتنمية. ومن جانبنا، فقد أدرجنا الزراعة المراعية للظروف المناخية كمكون أساسي في جميع عملياتنا. والعام الماضي، استطاعت 50 في المائة من مشاريع البنك الزراعية تحقيق جميع الأهداف الثلاثة للزراعة المراعية للظروف المناخية، وهي زيادة الإنتاجية وتعزيز القدرة على مجابهة تغير المناخ وتخفيض الانبعاثات الكربونية. وتشمل المنافع أيضا خفض تلوث المياه بالنتروجين والآثار الواقعة على التنوع البيولوجي.

ونعلم أن المسار نحو تطبيق الزراعة المراعية للظروف المناخية سيكون مختلفا في كل بلد، بل سينطوي على تحديات أكبر بسبب محدودية الموارد. ولذلك يقوم البنك بإعداد الأدوات والأعمال التحليلية لمساعدة البلدان على الوصول إلى الفرص، والموازنة بين المفاضلات، وترتيب أولويات الاستثمار، وتحديد نقاط الدخول الرئيسة لتطبيق الزراعة المراعية للظروف المناخية.

لم يعد التحول إلى نظام غذائي مراع لتغير المناخ مجرد طموح لدى البعض. وإن كنا لا نزال نحتاج إلى قدر أكبر من الطموح. فقدرتنا على توفير الغذاء لسكان العالم في المستقبل تعتمد على أن نراعي جميعا الظروف المناخية.

* خبير زراعي في البنك الدولي

نقلا عن الاقتصادية

مقال
لمشاهدة ملفات الدراسات، نأمل تسجيل الدخول, أو تسجيل عضوية جديدة
بواسطة:
الشبكة السعودية للمسؤولية الاجتماعية
إدارة الشبكة