الخميس 18 رمضان 1445 الموافق مارس 28, 2024
 

تطور المنهجيات الاستراتيجية .. الهندسة القيمية أنموذجا. للكاتب : د. يحيى مفرح الزهراني

الثلاثاء, 30 أغسطس, 2016

تشهد المجتمعات في العالم أجمع عددا من التحولات، على مستوى البنية، والاستهلاك، وكذلك إدارة مواردها، وتواجه في الوقت نفسه تحديات مختلفة، ولا سيما مع تغير وتباين اختلاف الفرد وطبقات المجتمع من جهة، وكذلك من طرق إدارة الموارد من جهة أخرى.

وقد نتساءل عن تلك التغيرات والمشكلات المطروحة مجتمعيا بالسؤال التالي: هل يجري تضخيم المشكلات والمخاطر كثيرا؟ أم يجري التقليل بشأنها؟ وهل ستحل التقنية مشكلاتنا في المستقبل وتغير نمط حياتنا للأفضل أم ستسبب استهلاكا للموارد أسرع مما نتخيله؟

تلك الأسئلة والتغيرات تجعلنا نقف أمام عدد من الحقائق الحالية أمام متغيرين يؤثران في المجتمعات؛ أولهما التغير الذي حدث في نظرتنا للنفط، سواء من ناحية سعرية، أو مصدر اقتصادي ينبغي التنبه له أنه غير دائم. أو حتى في طريقة تعاملنا معه سلوكيا وما له من تأثيرات ثانوية في حياتنا اليومية انعكست في السياسات الحكومية.

العامل الثاني هو عامل الزيادة السكانية، والتعداد الديموغرافي سيستمر في الزيادة المطردة إذا ما علمنا أن ما يزيد على 65 في المائة من السكان هم أقل من عمر 30 عاما، ما يجعل المجتمع، شابا وناشئا وقابلا للزيادة السكانية المستقبلية ـــ بإذن الله تعالى.

تطورت المنهجيات الاستراتيجية منذ بداية هذا العلم على المستوى العسكري وحتى دخوله على علوم الإدارة المختلفة، والتعليم، وتطور مناهج التفكير والتطبيق في جميع الأفرع المهنية والشخصية والاجتماعية، وصولا إلى ما يسمى الهندسة القيمية، ولا سيما في حقلي الهندسة والإدارة اللذين يسعيان لتعزيز ورفع القيمة أو الحصول كذلك على قيمة ولكن بسعر يوافق ما ستحصل عليه.

ولذا يحاول عدد من الدول تبني منهجيات وأساليب وطرق من أجل الوصول إلى أهداف محددة، لكنها تطرح كذلك أسئلة عدة عن مستقبل ذلك التوجه، ما إذا كان يضفي قيمة حقيقية للمجتمع وسط الصراع اللامحدود على الموارد بين الدول.

نشأت الهندسة القيمية في ميدان الصناعة إبان الحرب العالمية الثانية كنتيجة للحاجة إلى متطلبات الحرب العالمية من الأسلحة والذخائر والمنتجات الأخرى وفي المقابل شح الموارد الأولية والموارد البشرية، وكان المثال الأبرز هو مثال شركة جنرال إلكتريك في الولايات المتحدة؛ نتيجة شح الموارد الاستراتيجية لمنتجاتها، ما حدا بالشركة للبحث عن البدائل، عبر محاولة الوصول للهدف نفسه، ولكن بتقليل التكاليف وضمان الجودة والأمان وعوامل أخرى منهجية مبنية على ست عمليات أساسية وهي: جمع المعلومات، قياس، تحليل، تكلفة، توليد، تقييم.

وقبلا، طرح الأسئلة المنهجية الأساسية عن ماذا أريد؟ وما عمل هذا الشيء أو السلع والخدمة؟ ومن المستفيدون؟ وما البدائل؟ وكما يشير الخبير نايف محمد الحازمي إلى أن هذا المجال لا يتوقف فقط على الهندسة والمشاريع، بل يمكن لتلك المنهجيات التطور مستقبلا للتداخل ما بين علوم أخرى غير الهندسة والإدارة لتكون فيما بعد أنظمة منهجية يمكن أن تكون حقلا معرفيا متداخلا. حيث يعتبر التداخل بين العلوم والمعارف من سمات التطور المعرفي، ولذا، وهنا يأتي دور العقلية الاستراتيجية، التي تربط بين الأرض والسماء، والتخصصات المختلفة، أن ننظر إلى العقل التركيبي، الذي تحدث عنه العالم هوارد جارندر في كتابه "العقول القادرة على قيادة المستقبل"، الذي تحدث عن العقل المتخصص والعقل الإبداعي والعقل المحترم، والعقل الأخلاقي وثاني عقل أورده هو العقل التركيبي وهذا ما يهمنا هنا، وهو العقل الذي يحاول تركيب أكثر من منهجية لقياسها أو تجريبها في علوم أخرى.

تحاول المنهجيات التطبيقية والعملية الربط بين التنظير وبين الواقع العملي، وهما عالمان يختلفان عن بعضهما قليلا، لكنهما يؤثران كثيرا في بعضهما بعضا، ولذا تداخلت مثلا المنهجيات الكمية والنوعية، ومع الوقت والدقة في القياس والترقيم، أصبحت المنهجيات الكمية متطورة بشكل كبير، إلى درجة تحويل التفكير والإنسان إلى مجرد آلة، أو روبوت منهجي. وكانت ردة الفعل المنهجية أنها بدأت تحاول إدخال المنهجيات النوعية التي لا تعتمد على الأرقام فقط كعامل مؤثر في الأبحاث والمناهج التطبيقية في الإدارة، التي تسعى "لأنسنة" مناهج البحث العلمي مرة أخرى.

يشير أحد تعريفات الاستراتيجية إلى أنها علم معرفة عمل الشيء، وفي هذا التعريف إشارة إلى عاملين هما مقياسان مهمان للتقدم، وهما العلم ثم العمل.

وبالله التوفيق.

المصدر: جريدة الاقتصادية السعودية.

مقال
لمشاهدة ملفات الدراسات، نأمل تسجيل الدخول, أو تسجيل عضوية جديدة
بواسطة:
الشبكة السعودية للمسؤولية الاجتماعية
إدارة الشبكة