الجمعة 19 رمضان 1445 الموافق مارس 29, 2024
 

المسؤولية الاجتماعية مفاهيم يجب أن تصحح .الكاتبة : د. نادية باعشن

الخميس, 11 أغسطس, 2016

دكتورة نادية باعشن
رغم اقتران مفهوم المسؤولية الاجتماعية بالأعمال الخيرية أو التطوعية أو العمل التسويقي إلا انه في الحقيقة يختلف عن ذالك بشكل كبير؛ فالمسؤولية الاجتماعية ليست تبرعات أو أعمال خيريه كما أنها لا تعتبر أعمالا من قبيل الدعاية والإعلان, وإن كانت هناك نقاط تماس مشتركه تجمع المسؤولية الاجتماعية بهذه العناصر , إلا أن أهدافها و اتجاهاتها و رؤيتها و مقوماتها تختلف تماما عن تلك العناصر .

فالتطوع و الأعمال الخيرية لها أوجه صرف حددها الله سبحانه و تعالى , ويتم اغلبها في الخفاء و تدور في دوامه بدون عائد ملموس ؛ أما المسؤولية الاجتماعية فهي تترجم في مبالغ يتم إنفاقها و لكن في أوجه أوسع ؛ لأنها لم تنفق بنيه الزكاة أو الصدقة ؛ ولكن بقصد التنمية المستدامة وإحداث نقله معينه للمجتمع الذي توجد فيه المؤسسة أو الشركة التي تلتزم بتلك المسؤولية . و تعكس اهتمام القطاع الخاص بأداء دور أعمق في تنميه المجتمع . وعاده ما تكون هذه المبالغ صافي ربح تلك المؤسسة التي قد يكون لها اذرع خيريه أخرى غير تلك التي تمليها عليها المسؤولية الاجتماعية . كما تتيح المسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال أمكانيه متابعه مدخلات أموالهم و مخرجاتها ؛ الأمر الذي يضمن لهم السيطرة على أموالهم و ضبطها .
ولا شك أن المسؤولية الاجتماعية بدأت في الاستحواذ على جانب كبير من الأهمية في الفترة الأخيرة من جانب الشركات القطاع الخاص ؛ بحيث أصبح لا يمر عام إلا ويتم تدشين نحو 5 برامج جديدة للمسؤولية الاجتماعية داخل المملكة , وهو تقدم جيد بلا ريب , و يعكس تزايد في إدراك مؤسسات القطاع الخاص لأهمية المسؤولية الاجتماعية ورغم ذلك ينبغي لفت النظر إلى أننا مازلنا في بداية طريق المسؤولية الاجتماعية , وارى أننا مازلنا في مرحله الولادة في هذا المجال ؛ في حين وصلت الدول الأوروبية فيه إلى مراحل الفتوه والرجولة , فما زالت شركاتنا تخلط بين الأعمال الخيرية و التنموية و كما يوجد خلط كبير بين الأعمال الإعلانية و برامج المسوؤليه الاجتماعية ؛ وأصبحت المسؤولية الاجتماعية لدى عدد من الشركات مجرد ستار تختفي تحته حملات إعلانيه منظمه .
وأود أن الفت النظر إلى مفارقه عجيبة يمكن لأي متابع أن يلحظها للتدليل على استمرار تمسكنا بالعمل الخيري –رغم اعتقادي بعدم جداوه الحقيقية على المدى البعيد – انك إذا حاولت البحث في احد محركات البحث على شبكه المعلومات العالمية " الانترانت " عن مصطلح المسؤولية الاجتماعية باللغة الانجليزية فانك ستواجه بآلاف الصفحات التي تستعرض التجارب الغربية في هذا المجال , أما حين تكتب هذا المصطلح باللغة العربية فانك لا تكاد تحصي عددا معقولا من الصفحات تعني بهذا الشأن , وتواجهك – في الوقت نفسه – نتائج بحث لا حدود لها في حاله البحث عن مصطلح " العمل الخيري" وهو الأمر الذي يعكس التمسك الشديد بثقافة الهبات في مواجهه المسؤولية الاجتماعية بمفهومها التنموي .
ولا شك ان الفرق بين تطبيق برامج المسؤولية الاجتماعية في بلادنا وبين تطبيقها في الدول الأوروبية – التي سبقتنا في ممارستها بعقود – يتلخص في درجه الاستيعاب للمفهوم , والعمل وفقا لهذا الاستيعاب .
و من الأدلة على تأخرنا – أيضا – في هذا المجال انه لا توجد حتى الآن أي من شركات القطاع الخاص أعلنت عن تبني مشروعات تهتم بالبعد البيئي , رغم أهميته الكبيرة و مكانته بين اعمال المسؤولية الاجتماعية , رغم أن هناك شركات لها باع كبير في تنفيذ برامج المسؤولية و ترى أنها أصبحت رائده فيه .
و ثمة خطا ترسخ في أذهان الجميع و هو الاعتقاد بان الشركة أو المؤسسة إذا أنفقت في باب المسؤولية الاجتماعية فليس هنالك فائدة تعود عليها , أو انه لا ربحيه من ورائها .
فالمسؤولية الاجتماعية وان كانت ظاهريا تدل على أن هناك مخصصات تصرف مع عدم وجود ربح ملموس إلا إن هناك خمسه أشكال من الفوائد المادية و المعنوية تعود على الشركات و المؤسسات من جانب المتعاملين معها أو أصحاب المصالح و المستفيدين بل و موظفي الشركات نفسها نتيجة اهتمامها بتطبيق مفهوم المسؤولية الاجتماعية بشكله الصحيح ؛ و استطيع تلخيص تلك الفوائد في كسب المؤسسات للفئات التالية :
أولا : العملاء الذين يعتبرون العنصر الأهم للشركات أو المؤسسات التجارية , والشركة بدون عملاء ليس لها وجود . و هؤلاء العملاء ضمن أفراد المجتمع و يستفيدون من مشروعات المؤسسات التي تنفذها بناء على تقديرها لمسؤوليتها الاجتماعية .
ثانيا : الموظفون التابعون للشركة ؛ فالعميل الداخلي – أيضا – ابن المجتمع و عندما تلامس برامج المسؤولية هؤلاء بالفائدة فان ذلك سينعكس في تعزيز ولائه للشركة و زيادة إنتاجيته و عطائه .
ثالثا : أصحاب القرار؛ فإذا قامت الشركات بدور في إطار المسؤولية الاجتماعية فان ذلك سوف ينعكس على تقويه علاقة الشركات بأصحاب القرار , و اضرب مثالا على ذلك بما قامت به مجموعه دله البركة حين عرضت على إدارة الجوازات منحها مقرا في جده لمده ثلاث سنوات مع تحمل الشركة كافه نفقات الإيجار و المنافع في مقابل منح الجوازات موظفي الشركة الأولوية في إنهاء بياناتها المتعلقة بمشروع البصمة التي تنفذه إدارة الجوازات .
رابعا : الموردون ؛ فحين تضعهم المؤسسة في اعتبارها ستكون لها الأولوية لديهم في إمدادها بالمواد الخام أو البضائع أو المنتجات , كما ستضمن الالتزام و تقديم أفضل الخدمات من جانبهم .
خامسا : الشركاء ؛ فعندما تضع المؤسسة برامج خاصة بهم فإنها تصب في مصلحتهم و المصلحة المشتركة , و تتفاوت هذه البرامج في نوعيتها , فقد تكون برامج اجتماعيه أو اقتصاديه .
واعتقد أننا في حاجه ملحه خلال المرحلة المقبلة إلى تقنين الانتقال من استراتيجيه العطاء إلى العمل وفق استراتيجيه البناء ؛ و هي ألاستراتيجيه التي يجب على القطاع الخاص الاضطلاع بها و عدم انتظار الدور الحكومي في هذا الإطار ؛ فالحكومة يتوقف دورها عند الدعم و المساندة و تذليل العقبات وأزاحه العراقيل حتى يتمكن القطاع الخاص من تنفيذ خططه التنموية القائمة على أفكاره و برامجه , و ليس تنفيذا للخطط الحكومية , فالقطاع الخاص يعمل وفق رؤية جديدة , و يطبق أفكارا غير معهودة، ينبغي على الحكومة دعمها و تطويرها . وليس عرقلتها و مقاومتها بسبب عدم فهم أبعاد تلك المشروعات و أهدافها من جانب بعض الموظفين الحكوميين.
بل أنني اطلب خطوه أكثر جراه من ذلك و هي إنشاء وزاره خاصة بالمسؤولية الاجتماعية تكون مهمتها التعريف بدور القطاع الخاص في تبني برامج المسؤولية الاجتماعية , والعمل على تذليل العقبات التي يمكن أن تقف حجر عثرة في سبيل تنفيذ تلك البرامج , أي أن يكون دورها المساعدة وليس التعطيل .

المصدر: مجلة القصيم العدد 134 عام 2009

مقال
لمشاهدة ملفات الدراسات، نأمل تسجيل الدخول, أو تسجيل عضوية جديدة
بواسطة:
الشبكة السعودية للمسؤولية الاجتماعية
إدارة الشبكة