الأربعاء 15 شوال 1445 الموافق أبريل 24, 2024
 

الوعي الجماهيري محفز رئيس لتنامي الممارسات المسؤولة مجتمعيا وسط المؤسسات : الكاتب : عصام بابكركوكو

الأحد, 31 يوليو, 2016

عصام بابكركوكو
قد نرى هنا وهناك نماذج مشرقة لمؤسسات مسؤولة مجتمعيا في محيطنا العربي , و نشهد بين الفينة والأخري مناشط تسعي لتعزيز مفهومها ووضع خارطة طريق لتهتدي بها الشركات في رحلتها نحو المسؤولية المجتمعية , الا أن المتابع لهذه المسارات عن قرب يرى أن البون لا زال شاسعا بين النظرية والتطبيق وبين ما نأمله وماهو موجودعلى أرض الواقع ,فلا زالت بعض المؤسسات في مرحلة ابداء النوايا الحسنة , وبعضها يقدم مشروعات وبرامج من واقع المسؤولية الخيرية لها ’ أو ترسم بعضها مشروعات تتزي برداء المسؤولية في إطار حملات التسويق والعلاقات العامة لتحسين الصورة الذهنية وبناء السمعة الحسنة في نفس قصير , فهذه النتائح سوف تتحقق بشكل اخلاقي ومقبول مجتمعيا اذا تبنت هذه المؤسسات المسؤولية المجتمعية كنهج إداري واسترتيجي , وتكاملت في رؤيتها الأبعاد الإجتماعية والإقتصادية والبيئية وعززت وجودها في عملياتها الجوهرية ونشاطها اليومي بشكل مستدام .
صحيح أن مفهوم المسؤولية المجتمعية يعتبرجديدا نسبيا في كثير من دولنا , ولكن حينما تقلب النظر في موروثنا الفكري والثقافي الإسلامي الحي , يظهر اليك بجلاء أنه لاعذر لشركاتنا, فهي مأمورة بالأستقاء من منهلنا العذب ديننا الخاتم الذي جاء ليكمل مكارم الأخلاق , ودعا فيه الرسول صلي الله عليه وسلم الى الى التحلي بالصدق والأمانة فمن غشنا ليس منا , واستوصانا بفعل كل ما هو خير يعمل على اسعاد البشرية ويحافظ على الحرث والنسل حتى يعيش الناس بسلام ورحمة ومحبه وتكافل ، وفي هذا النهج تسمق القيم والمعايير الأخلاقية التى اهملناها فعشعنا في زيل القائمة و أزمان إنطفاء الفاعلية وفقدان البوصلة , فقد استعاد الغرب هذه القيم في نموذج المسؤولية المجتمعية الحديث والذي يدعو للعودة للأخلاق في ممارسة النشاط الإقتصادي ، فالمسؤولية المجتمعية هي قضية أخلاقية بإمتياز , فحينما تتنزل القيم الفاضلة في نشاط المؤسسات في مساراتها الإقتصادية والإجتماعية والبئية يشكل ذلك منظومة كاملة تساهم في تحسين نوعية الحياة للناس في كوكبنا الأرض وتمكن الإجيال من الإستمتاع بموارد مستدامة .
فقد بذلت جهود طيبة في الغرب الأوربي والأمريكي طورت النموذج الحالى للمسؤولية المجتمعية , والذي ينبغي ان نتعامل معه وفق المنظور القيمي والفكري والثقافي لمجتمعنا , ومن باب الإنساني الحسن الذي يساعدنا في ترتيب أوضاعنا بشكل أكثر علمية و لا يمكن أن ننعزل باي حال من الأحوال في عصر العولمة ومجتمع المعلومات عن التوجهات العالمية في هذا المجال فالسوق والفضاءات مفتوحة على مصرعيها والشركات عابرة القارات تتجول في عقر دارنا , كما ان ما يدعو اليه من شفافية وحوكمة وعدالة وحماية بيئة ومناهضة للرشوة والفساد وعمالة الأطفال والضلوع في ممارسات تنتهك حقوق الإنسان ومراعاة حقوق جميع أصحاب المصلحة ’ تجعل من تبنيها وافراد مساحات واسعة لها من باب الأخذ بالحكمة , فهي ضالة المؤمن أنا وجدها فهو أحق بها , وفق وعي عميق وتبصر.
ولعل ما يحفز مؤسساتنا للسير في هذا الإتجاه ان الدراسات والبحوث اثبتت ان المؤسسات والشركات التى تبنتها حققت ارباحا عظيمة وتتطور ملموس , وساهم ذلك في بناء سمعة حسنة لها جعلت لها القبول وسط المجتمعات التى تعمل فيها , وقل إنتقاد العملاء لها عند مرورها بأزمات , وجذبت لها خبرات وعمالة ماهرة تتحمس للشركات المتشربة لقيم المسؤولية ’ وغيرها من المكاسب الكثيرة التى لا يتسع المجال لذكرها في هذا المقال .
ولعل من أهم الأسباب التى دفعت الشركات في الغرب للتقدم صوب المسؤولية المجتمعية الوعي الجماهيري الكبير, الذي جعل الجماهير اكثر معرفة وتمسكا بحقوقها مما جعل الشركات تحسب لها ألف حساب حتى لا تتعرض منتجاتها للمقاطعة والنقد الحاد , ويظهر ذلك في التنامي الكبير وسط الجماعات المناهضة للعولمة وجمعيات حقوق المستهلك والنقابات الفئوية القوية وجماعات السلام الأخضر , ويدعم ذلك التوجه الرشيد سياسات حكومية مشجعة وتشريعات واضحة تحكم حركة الشركات والمؤسسات .
دفع الوعي الجماهير الشركات لتعديل سياستها لتتقف مع مصالح المجتمع وأصحاب المصلحة وقد ذكر البروفسير مدحت محمد ابو النصر جملة من النماذج في كتابه المسؤولية الإجتماعية للشركات والمنظمات الموصفة القياسية iso 26000 حاصرت فيه الجماهير الشركات مما جعلها تستجيب للإنتقادات ,ونذكر منها على سبيل المثال :
• في عام1989م وجهت إنتقادات كثيرة لشركة إكسون لبطء إستجابتها لتطهير الكارثة التى تسبب فيها تسرب الزيت , واتهمها المجتمع بالتخازل نظرا لعدم إستجابتها بشكل كاف لهذه الأزمة .
• في عام 1995م هبطت مبيعات شركة شل في ألمانيا بنسبة 70% بعد حملات السلام الأخضر التي شنت ضدها بسبب منصة البترول الخاصة بها في بحر الشمال.
• وفي عام 1997م تعالت الدعوات بمقاطعة منتجات شركة نايك ردا على تشغيلها للأطفال وتسخير العمالة .
كما أشارت أحدث دراسة بعنوان المرصد السنوي للمسؤولية الإجتماعية للشركات أن 27% من المستهلكين في 25 دولة عاقبوا الشركات عن الممارسات التجارية غير المسئولة , وأن 27% منهم فكروا في القيام بذلك , كما أشارت دراسة أخرى أجرتها شركة إسترالية تعمل في إستعلامات التسويق الى أن 80% من المستهلكين الإستراليين عاقبوا الشركات على السلوك غير الأخلاقي, وغالبا ما يأخذ العقاب شكل تحول المستهلكين لمنتجات شركة منافسة , وهذا يؤكد بجلاء اهمية الوعي الجماهيري بالمفهوم في دفع الشركات نحو المسؤولية المجتمعية والإستدامة .
وفي تصنيف الشركات في توجهها نحو المسؤولية المجتمعية تأتي الشركات التى تخاف من الإنتقادات في زيل القائمة , وتبقي الشركات التي تجعلها نهج إداري وتتشرب قيمها ابتداءا هي الشركات المسئولة مجتمعيا حقا وتسحتق من التحية والتقدير , فمزيد من الوعي يعني مزيد من الممارسات المسؤولية مجتمعية ولنا عودة.

مقال
لمشاهدة ملفات الدراسات، نأمل تسجيل الدخول, أو تسجيل عضوية جديدة
بواسطة:
الشبكة السعودية للمسؤولية الاجتماعية
إدارة الشبكة